الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ندوة «ثقافة الفضائيات»:
استفهامات متعددة حول نوعية الثقافة التي تبثها هذه الفضائيات
نشر في الجزيرة يوم 30 - 06 - 2002

ضمن نشاطات (المنتدى الثقافي) الذي تقيمه إدارة التحرير للشؤون الثقافية، عقدت ندوة ثقافية حول (ثقافة الفضائيات)، وقد طرحت في الندوة بعض المسائل الهامة في هذا المجال كما أن المشاركين بها استعرضوا الآثار السلبية أو حتى الايجابية التي تحدثها ثقافة الفضائيات في سلوك أفراد المجتمع العربي.
شارك في الندوة د. إبراهيم البعيز ود. عبداللطيف العوفي ود. محمد العوين.
المشاركون في الندوة:
د. إبراهيم البعيز:
د. عبداللطيف العوفي:
أستاذ مشارك بقسم الإعلام بكلية الآداب في جامعة الملك سعود.
* د. محمد العوين.
كاتب ومذيع بإذاعة وتلفزيون السعودية.
ادار الندوة:
* د. سعد البازعي
د. عبد اللطيف العوفي
د. . إبراهيم ا لبعيز
د. محمد العوين
د. سعد البازعي
يُقدر عدد القنوات الفضائية ب(192) قناة على نظامي عرب سات ونايل سات، (72%) منها قنوات تجارية خاصة
د. البازعي:
احييكم أيها الاخوة في الملتقى الثقافي لجريدة الجزيرة ويسرني أن يكون ضيوف هذا الملتقى لهذه الليلة بعض الاخوة المختصين في مجال الاعلام والدراسات الاعلامية بشكل عام سواء على المستوى النظري العلمي التربوي أو على مستوى الممارسة وموضوعنا يستدعي الجانبين أو كل هذه الجوانب معاً.
والحديث حول ما سمعناه عن ثقافة الفضائيات موضوع كبير ومتشعب ويستدعي أن نتناوله من مختلف الجوانب لاسيما الجانبين النظري والعملي.
أذكر أنه قبل ما يقارب الخمسة عشر عاماً أو تزيد نشرت مجلة اليمامة تحقيقاً حول البث الفضائي التلفزيوني القادم وكان ذلك التحقيق نذيراً بمخاوف كثيرة، تحدث البعض فأبدوا قلقهم الشديد ولعلي أقول إن الكثرة أبدوا قلقهم وهو ما تحول إلى حقيقة بعد سنوات قليلة جداً واليوم هناك جيل يكبر ولا يعرف من هذا الجهاز التلفازي إلا هذه التعددية في البث لهذه القنوات الكثيرة التي تشاركنا حياتنا اليومية ونعتمد عليها كثيراً في الاخبار وفي التسلية غير أن المراقب أو المهتم إذا كان له شيء من الاهتمام بالثقافة سيلاحظ أن كثيراً من البرامج التي تبثها القنوات الفضائية اليوم يتجه إلى تسلية الجمهور مع اختلاف اشكال التسلية منها المحافظ قليلاً ومنها غير المحافظ وأن قليلاً من هذه القنوات ما يهتم بالثقافة كشكل من اشكال العطاء الانساني الرفيع.
وثقافة الفضائيات هذا الموضوع الذي نطرحه هذه الليلة يمكن أن يفهم من هذه الزاوية أي أن السؤال هو ماذا قدمت الفضائيات للثقافة الجادة. هذا سؤال يمكن أن ننطلق منه.
لكن هناك سؤالاً آخر متصلا بهذا ايضاً وهو ايضاً جدير بالطرح وهو ما هي الثقافة التي تبثها هذه الفضائيات؟
وعندما نقول الثقافة التي تبثها الفضائيات فإننا لا نتحدث بالضرورة عن الثقافة بمفهومها الجاد أي بمفهومها الرفيع أو النخبوي وانما عن مجموع المفاهيم والمعارف والقيم والمعتقدات والصور التي تفرزها هذه الفضائيات وتشكل شكلاً من اشكال الثقافة والثقافة الاجتماعية والثقافة الشائعة بين الناس بمعنى أننا يمكن أن ننظر إلى الثقافة هنا على مستوييها المعروفين، الثقافة التي نسميها الجادة وتلك المتصلة بالموروث الاجتماعي أو الفلكور وما يتصل بذلك فالموضوع مفتوح على كل الاتجاهات والاخوة المشاركون معنا هذه الليلة هم ممن عرفوا بالاهتمام العلمي وكذلك ممارسة الاعلام سواء التلفاز أو غيره ومن المؤكد أن نقاشنا سيثرى بما لديهم من اطروحات لاسيما أن لبعضهم أبحاثاً في هذا الموضوع بالذات ولذلك نحن إن شاء الله موعودون بحديث غني سينتهي وسيخلص في النهاية إلى نتائج نأمل أن تكون واضحة، اضافة إلى أنها ستثرى بتعليقات الاخوة الحضور، وقد تعودنا في هذا اللقاء أن ننصت بشكل جيد لما يقال من المنتدين وما يحدث من تفاعل بينهم وبين الاخوة الحضور.
فيسرني أن ارحب بالزملاء الحاضرين وهم:
د. ابراهيم البعيز استاذ مشارك بقسم الاعلام بكلية الآداب جامعة الملك سعود وهو رجل معروف بأبحاثه المتصلة بالتلفزيون وتأثيره على الاعلام وعلى الحركة الثقافية بشكل عام وعلى تلقي الجمهور.
د. عبداللطيف العوفي استاذ مشارك في قسم الاعلام بكلية الآداب جامعة الملك سعود وهو مختص آخر عرف بأبحاثه في هذا المجال.
والدكتور محمد العوين الاعلامي المعروف والذي بصفته أكاديمياً مثقفاً يضيف بخبرته وتجربته في الاعلام على مدى سنوات وجهة نظر ستثري ندوتنا إن شاء الله.
المحاور التي اقترحت ونشرت في الصحيفة ليست بالضرورة ملزمة في ندوتنا هذه لكنها قد تساعدنا على رسم معالم الموضوع.
في البدء أود أن ادعو الدكتور ابراهيم البعيز بأن يحدثنا عن موضوع تطور الفضائيات بدايتها وتطورها وواقعها الحالي.
د. البعيز:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اتقدم في البداية بخالص الشكر والتقدير لسعادة الدكتور سعد البازعي على ثقته وآمل إن شاء الله أن مشاركتي في النهاية ستشفع لي بقبول هذه الدعوة.
عند الحديث عن الثقافة أود أن أؤكد أن الثقافة لا يمكن فصلها عن التنمية فالعلاقة وثيقة بين الثقافة والتنمية حيث لا يمكن أن يكون هناك تنمية دون ثقافة والتنمية في محصلتها الأخيرة ستحدد لنا معالم هذه الثقافة التي نطمح إليها لذا أجد من المناسب أن ابدأ بالحديث عن الاعلام والتنمية كمدخل اساسي لهذا الموضوع قبل أن نتطرق إلى واقع القنوات الفضائية الموجودة.
تعود بداية التفكير في الاعلام والتنمية إلى أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات وسأشير هنا إلى كتابين الكتاب الأول ألفه دانيال ليرنر بعنوان يمكن ترجمته إلى نهاية المجتمع التقليدي.
توقع ليرنر في هذا الكتاب تمكن التلفزيون من نقل صورة عن المجتمع الخارجي وهو العالم المتطور والمتقدم إلى الدول النامية مما سيترتب عليه نقل صور وحضارات مغايرة لما عهدته تلك المجتمعات التقليدية في محيطها المنغلق نفسياً. وفي منتصف الستينيات حوالي عام 1964 صدر كتاب آخر لويلبر شرام Shramm بعنوان «الاعلام والتنمية الوطنية» قدم شرام في هذا الكتاب نظرة شمولية للدور المحتمل لوسائل الاعلام في تنمية المجتمع من خلال البرامج التعليمية والثقافية واتاحة الفرصة للتوعية والتنمية السياسية من خلال دور وسائل الاعلام، بالذات الصحافة كسلطة رابعة أو كقنوات للحوار الاجتماعي.
إلى جانب ذلك ظهر العديد من الاطر النظرية التي تنادي باعادة النظر في مفهوم الاعلام والتنمية ويشير المنادون بهذه الاطر النظرية إلى العديد من الشواهد التي تشير إلى فشل نظريات الاعلام التنموي ولعل من ابرز هذه المظاهر:
1- الانتقائية: حيث يتم اختيار امثلة ونماذج النجاح المحدودة للاعلام في حين يتم اغفال النماذج والامثلة المتعددة للاخفاق الاعلامي في التنمية.
2- المضامين الاعلامية في دول العالم النامي تركز على الجانب الترفيهي على حساب المضامين الثقافية والتعليمية التي تساهم في العملية التنموية.
3- ان وسائل الاعلام المحلية في الدول النامية لم تكن قادرة على كسب ثقة المواطن لتكون مصادر موثوقاً بها للافكار والمعلومات والدليل على ذلك لجوء المواطنين في دول العامل الثالث إلى وسائل الاعلام الاجنبية وبالذات الاذاعات الموجهة من الدول الغربية مثل «صوت امريكا» و«هيئة الاذاعة البريطانية» و«اذاعة مونتكارلو».
4- دليل آخر في فشل الاعلام في التنمية دخول الاعلام التجاري وما ترتب عليه من بروز نزعة استهلاكية للمنتجات الاجنبية وكذلك ما ساهم فيه هذا الاعلام التجاري من تأثير سلبي على المضامين الاعلامية وبالذات التلفزيون حيث ان دخول الاعلام التجاري يجعل التلفزيون يركز على المضامين الترفيهية على حساب البرامج التنموية الجادة.
5- المشهد الأخير لهذا الفشل هو الاستثمارات الاجنبية في وسائل الاعلام وبالذات من قبل الشركات الاجنبية في الدول النامية وهناك امثلة كثيرة في امريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا وفي دول افريقيا والبلاد العربية ايضا لها حظها من هذه الاستثمارات الاجنبية، لذلك هذا الاخفاق ظهر في العديد من الدراسات التي تحاول رصد الاسباب وتصنيفها إلى اسباب سياسية واقتصادية واجتماعية.
الاسباب السياسية: ان وسائل الاعلام اخذت في الدول النامية كمؤشرات للتنمية وليست بالضرورة وسائل للتنمية لذا نجدها تأتي في البداية إلى العواصم والمدن ذات الثقل السياسي والاقتصادي أما القرى والارياف فلا يأتيها الاعلام إلا متأخراً على الرغم من حاجتها إلى هذه الوسائل للخروج من عزلتها.
السبب السياسي الآخر أن قرارات الاعلام في الدول النامية هي قرارات سياسية حيث تشرف عليها مؤسسات وهيئات سياسية أما المؤسسات التنموية مثل وزارات التعليم والصحة والزراعة والشؤون الاجتماعية فهي بعيدة من حلقة صنع القرار للاعلام بشكل عام وللتلفزيون بشكل خاص. هذه هي الاسباب السياسية أما الاسباب الاقتصادية فتتمثل في شح الموارد الاقتصادية للدول النامية مما شجعها على فتح الاستثمارات الاجنبية في مجال الاعلام وبالذات في مجال التلفزيون اشح الموارد الاقتصادية ايضاً شجع الدول النامية على فتح المجال الاعلامي التجاري للحصول على العملة الصعبة كما أن شح الموارد المالية شجع الدول النامية على استيراد المضامين والبرامج الاجنبية بالذات من الولايات المتحدة بدلاً من صرف ما يستحق من مبالغ على الانتاج المحلي المتميز.
نعود الآن إلى الاسباب الاجتماعية لفشل الاعلام وفشل التلفزيون في العملية التنموية فمن أبرز الاسباب الاجتماعية قلة الوسائل الترفيهية مما ساهم في الضغط الاجتماعي على التلفزيون ليركز على المضامين الترفيهية على حساب البرامج التعليمية والثقافية يضاف إلى ذلك قلة التجربة في دول العالم الثالث والدول النامية بشكل عام مع وسائل الاتصال الحديثة وبالذات التلفزيون حيث تنعدم الفنون المساندة مثل المسرح والسينما والموسيقى ولذلك تأثر الانتاج المحلي ولم يخرج بالشكل الذي كان مأمولاً منه يضاف إلى ذلك قلة الكوادر البشرية المؤهلة القادرة على الإدارة والتخطيط والانتاج الاعلامي الذي يفي بحاجة المجتمعات المحلية.
أعطيت هذه النظرة الشاملة عن الاعلام والتنمية ومدى فشله لتكون مدخلاً أساسياً في ظاهرة القنوات الفضائية التي نعيشها الآن.
ويشهد الوطن العربي منذ عشر سنوات تقريباً طفرة في القنوات الفضائية فلم يعد المشاهد محصوراً في القنوات الرسمية. ويقدر عدد القنوات الفضائية على نظامي عرب سات ونايل سات ب(192) قناة (53) قناة منها حكومية أما النسبة العظمى وهي (72%) خاصة وتجارية، (43%) منها مجانية (57%) غير مجانية تقدمها 4 شركات.
وهناك خمس قنوات مشفرة وهي المتكررة مع بقية هذه القنوات.
كما أن لدينا قنوات شاملة وهي تشكل فقط (21%) أما النسبة العظمى (79%) فهي قنوات متخصصة سواء في المضمون أو في الجمهور منها (27) قناة متخصصة في المنوعات وهذا يؤكده ما ذكره الدكتور سعد، (30) قناة للافلام والمسلسلات (33) قناة رياضية (19) قناة في الاخبار (12) قناة تعليمية (10) منها ضمن مجموعة النيل وهي مجموعة تتيح الاطلاع على المفاهيم المصرية.
نحن أمام ظاهرة تباين الآراء بين مؤيد يبشر بفوائدها ومعارض يحذر من مخاطرها وبين المؤيد والمعارض لدينا مراهق يتمتع بمفاتنها على الرغم من وجهات النظر المتباينة إلا أنه من المؤكد أن لهذه الظاهرة آثاراً اقتصادية واجتماعية قد تكون سلبية أو ايجابية وعلينا مسؤولية دعم هذه الآثار الايجابية والحد من الآثار السلبية لكن هذا لن يتأتى لنا دون أن تكون لنا القدرة على التنبؤ بهذه الآثار أولاً ولن نتمكن من التنبؤ بهذه الآثار حتى نستطيع أن نفهم هذه الظاهرة وفهم هذه الظاهرة لن يحققه سوى الذين تجاوزوا مرحلة الوصف ليصلوا إلى مرحلة الاسباب والنتائج المتوقعة.
أعتقد أن الاسباب ممكن أن نجملها في مجموعة من المتغيرات أبرزها في اربعة محاور:
محور سياسي واعتقد أنه مهم جداً بدأت بوادره مع سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي وظهور ما اصطلح على تسميته بالنظام العالمي الجديد حيث هيمنت القيم الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة ومعروف أن للرأسمالية منظومة من القيم الثقافية التي شملت مختلف نواحي الحياة، والاعلام لا يستثنى من ذلك.
الظاهرة التي تشاهدها في العالم العربي لها ما يماثلها في العديد من الدول النامية في أمريكا اللاتينية وفي أوربا وفي افريقيا وفي دول شرق آسيا وفي دول شبه القارة الهندية، الجانب الآخر أن هذه الظاهرة تم الربط بينها وبين جملة المفاهيم السياسية المتعلقة بالديمقراطية مثل المشاركة والتعددية وقبول الرأي والرأي الآخر واستقلال المؤسسات الاعلامية عن الانظمة السياسية. وما الغاء وزارة الاعلام وتحويل الاذاعة والتلفزيون إلى مؤسسات عامة مستقلة عن الدولة في بعض البلدان العربية إلا أمثلة واضحة على ذلك.
كانت وسائل الاعلام في البلاد العربية تحت الاشراف المباشر للدولة وكانت مضامينها تخضع لاعتبارات سياسية في المقام الأول لذا فقدت وسائل الاعلام المحلية مصداقيتها كمصادر موثوقة للاخبار والآراء المحايدة مما جعل المواطن العربي يسارع لاستقبال هذه القنوات التي تمكنه من متابعة الاخبار والاحداث بشكل موضوعي وتمنحه الفرصة بأن يعبر عن رأيه وأن يسمع الرأي المخالف للرأي الرسمي للدولة.
ساهمت تقنيات الاتصال في نقل التلفزيون من المحلية إلى العالمية أو على الاقل إلى الاقليمية لذا سارعت العديد من الدول النامية ومنها الدول العربية طبعاً على اختلاف امكاناتها الاقتصادية وتجاربها الاعلامية إلى البدء في استخدام تقنية الاقمار الصناعية لتوسيع الرقعة الجغرافية لتغطية تلفزيونها لتبلغ رسالتها إلى العالم الخارجي أو على الاقل لتثبت حضورها في العالم الخارجي.
المحور الاقتصادي يشير إلى أن وسائل الاعلام لم تعد مؤسسات اجتماعية تساهم في انتاج ونشر المعرفة ويناط بها مهمة التنمية الثقافية والحوار الاجتماعي بل تحولت إلى مجالات تستقطب رأس المال المتحفز للاستثمار في أهم عنصر من عناصر المجتمع الحديث وهو المعلوماتية كان المستثمر العربي يطمح في دخول صناعة الاعلام والنشر لكن الانظمة العربية لم تكن قادرة على استيعاب هذا الطموح لذا بدأ التحايل على هذه الانظمة وذلك بالخروج إلى الدول غير العربية القريبة وبدأت هذه الممارسة في الصحف والمجلات ثم في دور النشر والآن مع الاذاعة والتلفزيون.
الاستثمارات في التلفزيون تطمح في المقام الأول في الحصول على حصة من الانفاق الاعلامي وتتساوى في ذلك القنوات الحكومية مع القنوات الخاصة وقد ارتفع الانفاق الاعلامي في الدول العربية بين عام 93 لعام 2001 من 800 مليون دولار عام 93 إلى مليارين وسبعمائة وستين مليونا في عام 2001م أي بنسبة تجاوزت 240% وبمعدل سنوي يصل إلى 17% والاستثمار في مجال التلفزيون تجاوز مجرد انشاء القنوات التلفزيونية إلى مجالات البث الفضائي المباشر والتوزيع عبر انظمة الكيبل التلفزيوني. لاحظنا أن 57% من القنوات الفضائية تحصل على ايراداتها من رسوم الاشتراكات، ابرز الناشطين في هذا المجال هي مؤسسات استثمارية خاصة وحكومية عربية وهي عرب سات ونايل سات وشركة الاتصالات في الامارات وشركة الاتصالات في قطر والاوائل الخ، لذا بدأت بوادر تحول التلفزيون في المستقبل المنظور من مشروع تنموي حضاري إلى مجرد فرصة استثمارية في صناعة الترفيه.
د. البازعي:
شكراً للدكتور ابراهيم ورغبة في تعديد زوايا الرؤيا للموضوع نفسه وبعد أن استمعنا إلى هذه المعلومات المهمة والغنية بالتفاصيل المتصلة مباشرة بالموضوع أود أن ننقل الحوار للدكتور عبداللطيف العوفي ليحدثنا إذا امكن حول تاريخ الفضائيات وربما أنه يريد أن يضيف إلى ما ذكر أو ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة.
د. العوفي:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. في الواقع استكمالاً لحديث الدكتور ابراهيم لعلي أركز على نقطتين اساسيتين في موضوع الاعلام والتنمية.
لماذا لم تنجح وسائل الاتصال في العمل التنموي كما كان يراد لها؟ اعتقد أنه كانت هناك ثلاثة اسباب رئيسية واساسية.
السبب الرئيسي الأول أن علماء الاقتصاد في ذلك الوقت اعطوا وسائل الاتصال الجماهيري قدرة على التأثير بالذات في الاتجاهات والسلوك اكثر من قدرتها الواقعية. كانوا يعتقدون أن وسائل الاعلام مثل الحقنة تعطى المعلومة وبالتالي الناس تتأثر. أحد اولئك العلماء كان في احدى القرى التركية ورأى التأثير الواضح للراديو على الناس ووجد الناس كيف يجتمعون في المقاهي حول الراديو الكبير في ذلك الوقت وكيف كانوا يتأثروا به سلوكيا فاعتقد أن هذا التأثير سيستمر وان وسائل الاتصال الجماهيري لديها القدرة على هذا التأثير.
طبعا هو لما كتب الكتاب هذا كانت النظرية قد سقطت لكنه كتب الكتاب وكان يعتقد أن المجتمعات التقليدية قد يكون التأثير عليها سهلا واسهل من المجتمعات الغربية.
النقطة الثانية في هذه النظرة أن علماء الغرب لم يفرقوا بين التنمية كتنمية وبين التغريب، كانوا يعتقدون أن تقليد الغرب هذا هو التنمية، وهناك فرق كبير. النقطة الثانية أن القوى السياسية في العالم الثالث للاسف بعدما حصلت على استقلالها استغلت هذه الوسائل ليس في التنمية ولكن في زرع الولاء للسلطة بمعنى أن كل ما يدور الحديث حوله في هذه الوسائل كان عن السلطة وكيفية تثبيت السلطة.
بالنسبة للفضائيات وكيف انتشرت هي طبعا من بداية الستينيات الميلادية عندما بدأت الاقمار الصناعية بدأت كثير من دول العالم تحاول أن تحصل على الاقل على قناة من القنوات الموجودة في الانترسات في الاقمار الصناعية القديمة.
طبعا كان الفرق بين الاقمار الصناعية القديمة والحديثة هو أنه في القديمة كان لابد أن يكون لديك صحن استقبال كبير جداً ضخم أو محطة كبيرة تستقبل الاشارة، وكانوا يحاولون دائماً عمل صحن في حدود متر يستطيع أن يستقبل الرسالة، كانت هناك محاولات عديدة في الولايات المتحدة الامريكية، وهناك شركات انفقت كثيراً من الاموال وبالذات في منتصف السبعينيات وحتى الثمانينيات في محاولة لوضع هذا القمر الذي يستطيع أن يكون بثه عالي الكثافة ويستطيع الدش صغير الحجم أن يستقبل الاشارة ما استطاعوا في ذلك الوقت وظلت المحاولات حتى استطاعوا مع اواخر الثمانينيات الميلادية. بالنسبة للمملكة والدول العربية بشكل عام حاولوا أن يصنعوا قمرهم الصناعي وكان ذلك منذ عام 67م وفي مؤتمر وزراء الاعلام العرب اقترحوا لماذا لا يكون لنا قمر عربي فتدارسوا الوضع لكن الوضع استمر على ما هو عليه حتي عام 71م تقريباً، حين تبنى هذه الفكرة اتحاد اذاعات الدول العربية وفي عام 1976م انشأت المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية التابعة لجامعة الدول العربية ثم في عام 1981م تم توقيع اتفاقية تصنيع القمر العربي من 21 دولة عربية وكان مقرها الرياض، وهناك محطة اخرى مساندة في توسن، وفي عام 1985م اطلق الجيل الاول، ثم في نفس العام اطلق القمر الثاني من الجيل الاول وفي عام 1992م اطلق القمر الثالث والاخير من الجيل الاول وفي عام 1996م اطلق عربسات الجديد وهذا عمره الافتراضي 15 سنة هذا بالنسبة للدول العربية ومحاولة تعاملها مع القمر الصناعي، السعودية ايضاً منذ وقت باكر من عام 1965م حاولت ان تستأجر قناة في الانتل سات وتم لها ذلك في عام 1978م وكان له قدرة سبع محطات ارضية وكان الهدف منه اشياء كثيرة الاتصالات التلفزيونية مع الاجانب وايضاً محاولة نقل بعض الاشياء المهمة عبر التلفزيون عبر هذه القناة.
لو نظرنا للقنوات الفضائية العربية متى بدأت؟ بدأت طبعاً بعد حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت وبعدما شاهد العالم العربي مدى تأثير الCNN في نقل وقائع الحرب بشكل دراماتيكي وبشكل مخيف عندئذ بدأت الدول العربية تفتح مجالاتها فكانت الاقمار تلتقط بشكل بسيط وفي بعض البيوت وبعض الوزارات التي لها علاقة بهذا الموضوع ولكن بعد ذلك تم فتح المجال للقنوات الفضائية وكانت القناة الفضائية المصرية أول قناة ثم تلتها مباشرة قناة الLBC، وهكذا ثم تلتها القنوات الاخرى.
د.البازعي:
لا ادري ان كان لدى الدكتور محمد العوين ما يود اضافته إلى ما ذكر؟
د. العوين:
طبعا هناك فرق بين الاكاديمي وبين المهني أن ازاول المهنة على ارض الواقع بينما الاستاذان الكريمان يرجعان إلى الكاتب وينظران ويفترضان افتراضات كبيرة جداً ربما انهما يعرفان تماماً أنها غير موجودة على أرض الواقع. ولكن من واقع الهم الذي يعانيه ويكابده من يمارس الاعلام على ارض الواقع ومن يتحدث ويكتب ويتكلم دونت بعض الافكار فقط وحاولت أن ارصد السلبيات والايجابيات لهذه الفضائيات العربية وغير العربية الموجودة.
واجتهدت إلى حد كبير في تقسيم هذه الفضائيات إلى ثلاث فئات واسميتها الفئة النائمة والفئة اللاهية (العابثة) والفئة الجادة وارجو الا احرج أو اسأل فيما بعد إلى أي فئة تنتمي قنواتنا أو قنوات من حولنا وارجو الا احسب على المؤسسة الرسمية الاعلامية لأنني أتحدث في هذا المقام بصفة شخصية. وقبل أن ادخل إلى قراءة بعض الافكار يسعدني أن اشكر سعادة الدكتور سعد البازعي على ثقته الكريمة وان كان وصفي في موضع لست مكانه فأنا احاور عادة ولا اتحدث ولكن تبادلنا الادوار في هذه الليلة. واشكر ايضاً جريدة الجزيرة واقدم لها التهنئة وان كانت متأخرة على وثبتها الكبيرة التطويرية التي نقرؤها هذه الايام. واشكر ايضاً الاستاذ الصحفي الرائد خالد المالك فهو اساذ لي واستاذ في الواقع لاكثر من جيل من صحافيينا الشباب وعلى يديه وفي بلاط هذه المؤسسة الجزيرة تعلمت كيف احبو بقلمي وكيف اكتب وكيف اخط الحرف واذكر أن اول مقال كتبته عام 1398ه في هذه الجريدة في موقعها القديم في الناصرية.
اخوتي الكرام لقد دخل الاعلام مرحلة جديدة مؤثرة حين انطلق التلفزيون من الارض إلى الفضاء الواسع وتعددت الخيارات أمام المشاهدين وانتقل تأثير القناة التلفزيونية من مئات الاكيال إلى آفاق الكرة الارضية وغدت هذه القناة أو تلك عرضة للتقييم والنقد والفرز من العالم كله اذ دخلت في حلبة المنافسة الفضائية العالمية، وبهذه الصورة التي نرى فيها البث التلفزيوني لم يعد المشاهد محصوراً أو مقهوراً أو مدفوعاً أو مرغماً على استقبال بث لايرى فيه ما يريد، لا يرى فيه ذاته، لا يرى فيه شيئا مما يتوق إليه معرفة أو علماً أو اخباراً أو ادباً أو جمالاً أوفناً أو حواراً في قضايا الفكر أو السياسة أو الادب، وبضغطة خفيفة على الريموت كونترول يستطيع أن يبدل حال الغم الذي رمته فيه قناة متثائبة محبطة إلى حالة أخرى من الفرح والابتهاج والنبض الحي بالوجود. كان ذلك الزمن القديم قبل مرحلة الفضائيات والانترنت خالصاً كله للكتاب فهو أبو المعرفة وامها وحسبها ونسبها ومن لم يقرأ الكتب لم يكن مثقفاً ولا داعياً ولا ملماً بما يحسن الالمام به من شؤون الفكر والفلسفة والتاريخ والاداب اما حين دخلنا هذا العصر الجديد عصر المعرفة المنقولة الكترونياً انزاح الكتاب قليلاً عن ذلك الموقع المتسيد وصعد معه إلى القمة منافس جديد يستقطب ويغري بل يملك من اساليب التحبب والفتنة والاغواء في المعرفة مالا يملكه الكتاب الصامت.
انطلق الكتاب من عالمه الصامت إلى الفضاء الناطق المفتوح وكسرت المعرفة سياجها القديم المغلق إلا للخاصة فادخلت في رحابها كل الناس ودخلت هي إلى كل الناس.
لم تكن المعرفة نخبوية أو فئوية أصبحت عامة لكل الناس حتى رجل الشارع الآن يستطيع أن يناقش في السياسة وفي الافكار الاخرى مثلما يناقش الاكاديمي أو الاعلامي المثقف لم يعد ممكنا الآن تطبيق تلك الرؤيا الاستحواذية القديمة إنتهت مرحلة سيادة أحادية الرؤية والثقافة الموجهة والخبر الموجه والرأي الذي يفرض ويراد له من الآخرين المتلقين القبول والتسليم انتهى زمن سيادة القناة الواحدة والاذاعة الواحدة والمطبوعة الواحدة وانتهى دور الرقيب في هذه الاجهزة لأنه يمثل دوراً هامشياً لا أثر ولا أهمية ولا وجود له، انتهى دور الرقيب لأن الرقيب اصبح المشاهد نفسه المتلقي لاية وسيطة من وسائط المعرفة، انتقلت الرقابة من وزارات الاعلام إلى وزارات اعلام اخرى في البيوت لا تشابه سابقاتها في البيروقراطية.
هذا الكلام عن العالم العربي كله. فنحن نملك الاجهزة الرقابية المنزلية في بيتي وبيتك وبيت الاخر متمثلة في الاسرة نفسها اذ تمارس حرية الاختيار والقبول بقناعة مطلقة، بل انها تملك ايضاً فرصاً كبيرة للاسهام في صناعة الرأي الذي تتلقاه من خلال الحوار المباشر على الهواء مع القناة التي تستقبل بثها عن طريق الهاتف ولذلك اقترح الان ورغبة في توفير المال والوقت والجهد تقليص وظائف الرقباء ليبقى في نطاق محدود لا ازاحته كلياً وتركيز جهد الرقيب وطاقته في ايقاف وتعطيل وحجب كل ما ينافي الاخلاق الاسلامية والفطرة القويمة وافساح المجال للافكار والمعارف وما يتصل بثمار العقل كي تتلاقح وتنضج ويتداخل معها القارئ والمتلقي لأن الذي يملك ثراءً ذاتياً ولا اساساً قوياً ولا مبادئ وقيماً خاصة هو ذلك الضعيف العاجز عن المواجهة بمعنى أن الحماية في الظل لا يمكن أن تقي أو تحفظ.
الحماية هي أن يخرج المولود إلى الشمس والنبات ايضاً ويشم الهواء هذا هو الصحيح لكي ينضج نضجاً حقيقياً.
الحرية في التفكير تعني الحرية المسؤولة تعلم الانسان النضج تعلمه الحوار تعلمه كيف يقول نعم وكيف يقول لا ومتى يقولهما وكيف يحاور ويناور ويدافع عن رؤاه. أما استلاب العقل واطفاء وهجه بمداومة تعويده على الاستقبال والسماع وازاحته عن ذلك الدور الذي خلقه الله له في التفكير والتأمل والبحث فإن ذلك تعطيل لهذه الخاصية الانسانية العليا هذه مقدمة ارجو الا اكون اطلت فيها ولكن اسمحوا لي لأن الافكار مترابطة.
أما ما تنهجه الفضائيات العربية في معالجاتها المختلفة في قضايا الواقع العربي السياسية والفكرية والادبية والاجتماعية فيمكن القول ان هذه الفضائيات في اتجهاتها المختلفة تأخذ ابعاداً ثلاثة أو يمكن تصنيفها في ثلاث فئات كما ذكرت قبل قليل.
أولاً فئة نائمة لا ترى ولا تسمع ولا تحس بما يدور حولها وكأن عام 1423ه -2002م في اندفاعاته المعرفية والثقافية والثقافية هو عام 1403ه-1983م يعني الفارق 20 سنة وحتى لو لم نبالغ بفارق 12 عاماً أو فارق 10 سنوات تغير كل شيء والمعنيون بالشأن الاعلامي في هذه الفئة يغالطون انفسهم ولا يرون ما يحدث ثم يوهمون الناس بصدق ما يرون وكأنهم في عالم آخر معزول عن المؤثرات والتيارات والافكار والاكتشافات وهؤلاء سيظلون نائمين في العسل الموهوم ويظنون الناس شاخصي الابصار اليهم والعالم من حولهم في شغل آخر مختلف.
الفئة الثانية: فئة لاهية عابثة لا مسؤولة لا شأن لها بما يحدث من فواجع أو نكبات لهذه الامة همها الوحيد وشغلها الشاغل المتعة بكل صنوفها وأشكالها وتعدد طرائقها غايتها الوحيدة التقاط الاعين اللاهثة والنظرات الجائعة فتعنى كل العناية بانتقاء اجمل الجميلات مقدمات للبرامج وتعنى بحفلات الرقص ومسابقات الجمال وكل جوقات الفيديو كليب من شتات نساء العالم فترى الزنجية والاوربية والروسية والتايلندية والعربية القحة الاصيلة ذات الحسب والنسب كلهم يدورون في شفيف رقيق ناعم لا يكاد يستر مواضع الفتنة فيهن.
أما الفئة الثالثة فتستقطب المحللين وتعمل وفق رؤية سياسية واضحة غايتها قومية ورؤيتها انسانية ولا تخفي شيئاً من المكر الاجنبي وتحيزه ضد القضايا الاسلامية.
قنوات هذه الفئة قليلة جداً مع الاسف فهي لا تخاطب الغرائز ولا تعرض المفاتن ولا تبدي ولا تصف أو تدغدغ أو تتصابى أو تبيع شرفها بل تتميز بالسلامة في اللغة والجدية في الاداء والثقة في المواجهة والسعي في استجلاء الحقيقة احتراماً للمشاهد واحتراماً لأجل وأعظم ما يملكه وهو العقل. ربما ترد هذه القنوات القليلة على اصحاب القنوات في الفئتين السابقتين النائمة في العسل تحت دعوى الرزانة والعقل والثانية المتبرجة التي ليس لها إلا جسد المرأة. ان الشرف ليس بحجب الاجساد العارية فقط بل بحماية ما هو أهم من تلك الاجساد وهو العقل الذي يقود تلك الاجساد ويدفعها إلى الهاوية أو يرتفع بها إلى عنان السماء. كيف نطالب بالشرف من دكاكين اعلامية وكباريهات فضائية أو كازينوهات متنقلة عبر الاقمار الصناعية من اقصى الارض إلى اقصى الارض؟ كيف نطلب الشرف ممن لا شرف لديهم؟ كيف نطلب من اجيالنا من بعد أن يحسنوا الاختيار من بين سكون نائم أو عهر فضائي لا حدود له؟ كيف نريد لهذا الجيل أن يعرف قيمة العروبة وأصالة هذه الامة وامتدادها الحضاري العميق وتطلعات الواعين والنابهين من مفكريها وباحثيها وعلمائها؟
وتبدو الفئة الثالثة الجادة المنفتحة على العصر بثقة وقضاياه والمؤمنة بحتمية دور هذه الامة وتأثيرها وبقائها والمؤمنة ايضاً بأن الحوار العميق مع النفس والآخر هو الطريق للوصول إلى القوة والتأصيل والثبات وعمق التأثير وليس من العسير الآن بعد هذه الافاضة في التوصيف أن نجري عملية تصنيف للقنوات العربية وانتماءاتها وملامح كل قناة بناء على ما اشرت إليه واضحة كل الوضوح وفي وسعي الآن أن نضم تحت قائمة السكون والبيات الشتوي الطويل (8) قنوات والله اعلم وتحت قائمة القنوات المتبرجة (5) قنوات وتحت قائمة الجد واحترام العقل قناتان فقط وربما ثلاث ولكم التصنيف بعد هذا التصنيف ان تسمو الاشياء بأسمائها المعروفة.
د. البازعي: شكراً للدكتور محمد. احسبكم لاحظتم الاختلاف في الطرح ليس فيما يتصل بالمعلومة وانما ايضاً في التوجه والمنهج فالاستاذان الاكاديميان الدكتور ابراهيم والدكتور عبداللطيف تناولا الموضوع من زاوية علمية تحليلية منهجية إلى حد كبير ولعلي اختلف قليلا مع الدكتور محمد في أن ما طرحه الزميلان بالضرورة بعيد عن الواقع فكله ارقام وإحصائيات ومعلومات قد تصل حتى إلى المبالغ التي تصرف وهذا ليس تنظيراً في الهواء، طبعاً الاكاديميون متهمون غالباً بأنهم ينظرون ولكني اعتقد أن الذي استمعنا إليه اليوم لم يكن كذلك للانصاف بل كان في صلب الوضع الاعلامي التلفازي الذي نعيشه، لكن الاختلاف الذي لاحظناه هو أن الدكتور ابراهيم والدكتور عبداللطيف نزعاً منزعاً تحليلياً تاريخياً للوضع القائم، بينما الدكتور محمد اعطانا رؤية نقدية للوضع القائم ايضاً ولكن من زاوية تتناول ما نعيشه من مؤثرات تلفزيونية على حياتنا، وأبدى وجهة نظر اعتقد أن الكثيرين يتفقون معه فيها في أننا فعلا نعيش مشكلة كبيرة.
هذه الندوة تحاول أن تلقي نظرة ليس على الاعلام بشكل عام أو على وضعنا الاعلامي التلفزيوني وهو مليء بالمشكلات ومليء بالقضايا التي تستحق الطرح ولكنها تحاول أن تركز النظر على الجانب الثقافي البحت.. ما علاقة الثقافة بهذه الفضائيات؟ قد يكون للسؤال بعد شخصي أو أنه انطلق من رؤية شخصية، ولكنني عرفت فيما بعد انها تهم الكثيرين؛ بمعنى أننا نشاهد هذه المحطات الكثيرة ماذا نجد فيها من الفائدة هذا هو السؤال ما هي الفائدة، أين هو الاثراء؟ أين هي الندوات التي تطرح الكتب وتتناول القضايا الجادة بعيداً عن الاثارة بأنواعها؟ طبعاً الاثارة ليست فقط حسية وانما ايضاً اثارة سياسية، اثارة اعلامية، والاثارة غالبا ما تكون نوعاً من الثقافة المسطحة والمؤدلجة التي تعبر عن مصالح معينة وتحاول أن تسير المتلقي في هذا الاتجاه. أود أن يتركز حديثنا فيما ينبغي من هذه الندوة حول هذا الجانب، كما نريد ايضاً أن نستمع إلى الحضور وما لديهم من تعليقات أو اسئلة استثارتها هذه الطروحات الجيدة، ولذلك أود أن اعود مرة أخرى إلى الدكتور ابراهيم واذا أمكن تركيز الحديث على الجانب الثقافي.
د. البعيز:
ذكرت أنه عندنا 70% من المحطات تعتمد على الاعلانات التجارية وخلال العام الماضي قدرت ايرادات الاعلانات التجارية للقنوات الفضائية ب619 مليون دولار. الذي يسمع هذا الرقم يعتقد أنه ضخم لكن هذا الرقم ايرادات 350 الف اعلان بمعنى أن قيمة الاعلان الواحد 1800 دولار وهذا المبلغ متدن جداً بالمعايير العالمية والسبب في ذلك ان عندنا غزارة في القنوات الفضائية وغزارة في العرض ولكن هناك القليل من الطلب، لذلك تدنى سعر الاعلان، والمشكلة أن هذه القنوات الفضائية في ظل موارد شحيحة ستلجأ إلى برامج هابطة تخاطب الغرائز.
الناحية الثانية انها ستلجأ إلى البرامج المستوردة وهي بالذات من الولايات المتحدة. قبل 5 سنوات نشرت مجلة متخصصة أسعار البرامج الأمريكية المباعة عالمياً وأعطيكم الارقام وانتم تخيروا.متوسط سعر المسلسل الامريكي الذي بيع إلى الدول العربية حوالي 190 دولارا للحلقة الواحدة حين تباع إلى موريتانيا أما حين تباع إلى المملكة العربية السعودية فإن سعرها يرتفع إلى 1750 دولاراً، هذا عام 95، ومن عام 95 إلى الآن تضاعفت الاسعار عشر مرات. سيكون أعلى سعر 20 الف دولار وبهذا السعر وأرخص منه تأخذ برامج منتجة عربياً ومحلياً. لذلك أنت الآن امامك المسلسلات الامريكية ومعروفة آثارها الثقافية المحتملة. وأنا اثمن حرص الدكتور سعد على البرامج الثقافية.
اريد أن اشير إلى نقطة هي أنه عندنا اطلق القمر الصناعي العربي الاول فإن 25% من تكلفة هذا القمر ذهبت إلى وضع قناة يسمونها قناة غزيرة الاشعاع.
عندما اطلق القمر كان القمر الأول عمره الافتراضي 7 سنوات وكانت هذه القناة التي اخذت 25% من التكلفة كان الهدف منها ايجاد قناة عربية مشتركة ثقافية تساهم فيها كل الدول العربية.
مضى خمس سنوات من عمر القمر العربي ولم تستخدم هذه القناة. اتحاد الاذاعات العربية ومنظمة اليونسكو شكلا لجنة لدراسة هذا السبب وعملوا جولة على الدول العربية للبحث عن سبب ذلك.
يقول أحد المتخصصين ان السبب في ذلك هو أن الدول العربية كانت ترى أن السيادة الوطنية تحول دون أن يأتي بث من خارج البلد، كان ذلك عام 1988 بعدها بأربع سنوات وجدنا غزارة القنوات الفضائية لتأتي مصر وتستفيد من هذه القناة. والقنوات الفضائية المصرية عندما بدأت في البث الأول كانت تستخدم هذه القناة، لذلك تجد أن من هذه الاسباب اسباب سياسية وأسباب اقتصادية، بل اجتماعية تعيق امكانية استخدام هذه القنوات في المجالات الثقافية.
د. العوفي:
تعليقاً على ما ذكره الدكتور محمد اقول إننا كأكاديميين لسنا في مكان عاجي بعيدين عن الواقع، بل نحن نعايشه ولنا ايضاً مجالاتنا العملية ولنا برامجنا ولنا شركات عملنا فيها ومشاريع نفذناها، ولسنا بعيدين عن الواقع. لقد أنجزت (7) دراسات عن القنوات الفضائية منها ثلاث نشرت و(4) ستنشر قريباً، وقابلت جميع المسؤولين في القنوات الفضائية الخليجية للتقصي والتعرّف على أسباب الاختلافات الموجودة الآن في القنوات الفضائية، وفي بعض هذه القنوات اصبح الوضع احترافياً ويبشر بمستقبل كبير في مجال الصناعة التلفزيونية، وهناك قنوات اخرى مستواها متدن.
لذا دعوني أبشركم ببعض النتائج التي وصلت إليها وهي بلا شك لا تخلو من تنظير ولكن في رأيي اذا كانت النظرية لا تستخدم في الواقع العملي فيه ليست نظرية. النظرية التي ليست على المحك هي ليست نظرية اساسية، لذا انظر لقضية التأثير التلفزيوني وهنا طبعاً سنركز بشكل اساسي على الثقافة ، كما ذكرنا، فالتلفزيون لم يقم بدوره جيداً في مجال التنمية ولكن كان له بدون شك دور كبير في تثبيت الدولة الوطنية، حيث استخدم في سبيل تدعيم الولاء للسلطة والدولة القطرية في بعض الدول النامية كما استخدم كأداة لبث اللغة المشتركة والثقافة المشتركة والهدف الواحد وخلق المواطنة والولاء للسلطة، فهو أداة لتوحيد الانتماء، الانتماءات المتناثرة والتشكلات الثقافية المتباينة وايضاً التلفزيون لعب دوراً رئيسياً كأداة دعائية للحكومات وانجازاتها ولعب دوراً رئيسياً في توسيع رقعة المسافة بين الثقافة المحلية والثقافة الاخرى.
التلفزيونات المحلية قبل القنوات الفضائية لعبت دوراً رئيسياً في إيجاد مسافات بين الثقافات المحلية والثقافات الاخرى حتى عندما نأتي للدول العربية نجد أن هذا موجود، كل دولة لها ثقافتها بمعزل عن غيرها من الدول.
هذا قبل القنوات الفضائية حيث كان للتلفزيون الدور الرئيسي في توحيد مكان الاسرة في البيت، حيث يوضع في مكان معين ويتجمع حوله افراد الاسرة وهذا يجمع التواصل بين افراد العائلة فكان اداة جيدة، ولما جاءت القنوات الفضائية كل هذه الصور انعكست.
د. البازعي:
بحديث الدكتور العوفي نأتي إلى نهاية هذا اللقاء الممتع المفيد، فشكراً لكل هذه الإسهامات، وشكراً للحضور وإلى لقاء آخر قريب إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.