كتبها وصوَّرها - ماجد ناشي العنزي تبوك الورد.. معبر البحر الأحمر.. بوابة الشمال ليست مجرد شعارات تُطلق إنما هي عبارات تخرج من قلوب أبناء تبوك وعبر أفواه سكان المملكة.. هذه الكلمات محببة إلى صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك. فسموه الكريم منذ أن تسنم سدة القيادة في منطقة تبوك منذ ستة عشر عاماً ونيّف يحرص دوماً أن يكون متواجداً بنفسه لمتابعة المشاريع المنفذة في محافظات المنطقة والتشاور مع الأعيان والمشايخ والمواطنين لما فيه خدمة المنطقة ورقيها حتى أصبحت تبوك أنموذجاً للمدينة العصرية تربط بين الماضي والحاضر. وأنا لا أعني فقط توسع تبوك رقعة وانتشاراً في المباني وامتداداً في الطرق، فهي أمور تميزت بها جميع مدننا وقرانا ولله الحمد ولكني أعني تبوك كروعة معمارية ونسق فني يجمع ما بين التراث والحضارة المدنية مما حوّل هذه المنطقة الصحراوية إلى مركز حضاري وجعل قاطنيها يتمتعون بالبهجة والسرور بمدينتهم. وسوف نتناول في هذه الحلقة المواقع الأثرية بمنطقة تبوك للتعريف بآثارها وتاريخها: شهدت تبوك خلال العصور الإسلامية أدواراً حضارية متباينة اتسم بعضها بالازدهار وخاصة في العصور الإسلامية الأولى حيث نشطت فيها حركة التجارة والزراعة والتعدين، إلى جانب هذا فإن بالمنطقة عددا كبيرا من المواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى العصور المختلفة السابقة للإسلام. أما الآثار الإسلامية التي احتفظت بها منطقة تبوك فمتنوعة، منها القلاع كقلعة المويلح والأزنم وتبوك، ومنها القصور الصحراوية كقصر شواق الواقع إلى الضفة الجنوبية لوادي شواق المسمى الحواويط وقصر شغب الواقع في المكان المسمى بالنابع ومنها الكتابات والنقوش، وهي إما كتابات تزيينية كما هو واضح على لوح الرخام الذي عثر عليه في موقع الملقطة بالبدع والذي كتب عليه آية الكرسي وسورة الإخلاص بخط كوفي، أو كتابات على شواهدالقبور كما في قبر ذات الحاج حيث كتب عليها باللغة التركية القديمة والذي مازال محفوظاً في مركز ذات الحاج، وإما كتابات ونقوش تأسيسية وتجديدية كالنقش الموجود على واجهة قلعة الأزنم المؤرخ بعام 916ه من عصر السلطان المملوكي قانصوة الغوري، إضافة للنقش المنفذ على مسلتين حجريتين في بركة المعظم الواقعة إلى الجنوب من تبوك والمؤرخ بسنة 676 ه في عهد السلطان المملوكي الأشرف شعبان. إلى جانب هذا وذاك توجد أيضا بالمنطقة كتابات تذكارية ومخربشات يقوم بتسجيلها المسافرون على الطريق التي تمر بالمنطقة وقد عثر في (بدا) على مائتين واثني عشر نقشاً تذكارياً تركها المسافرون والحجاج على صخور جبل شهيبة بدا الشمالية. ومن الآثار الإسلامية في منطقة تبوك المستوطنات التعدينيه وهي عبارة عن قرى صغيرة مبنية من الحجر البازلتي مكونة من مجموعة من البيوت المتجاورة أو حجرات بسيطة يتوسطها مصلى صغير في بعض الأحيان، وقد سجلت المسوحات الأثرية عدداً منها كمستوطنات المتقابل وأم قريات وأبو المرو وأبو القزاز وجميعها تقع بالقرب من محافظة الوجه إضافة إلى مستوطنات الغال والبهيمة والريشة الواقعة شرق محافظة ضباء، ومستوطنة الغر قرب عينونة، ولعله من المفيد بعد هذا العرض الشامل لآثار منطقة تبوك أن نقف قليلاً مع القارئ الكريم عند بعض الأماكن الأثرية المهمة في المنطقة والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: قلعة تبوك وهي إحدى محطات طريق الحج الشامي المتجه من الشام إلى المدينةالمنورة ويعود تاريخ إنشائها إلى عهد السلطان سليمان القانوني سنة 976ه 1559م وقد جدد بناؤها في عهد السلطان محمد الرابع سنة 1064ه/ 1653م حيث سجلت أعمال هذا التجديد بلاطات زخرفية لا تزال موجودة على المدخل، ثم جددت القلعة مرة أخرى في عهد السلطان عبدالمجيد بن محمد 1260ه / 1844م وكُتب في تلك المناسبة نقش وُضع فوق محراب المسجد. وفي العهد السعودي الزاهر جددت عمارة هذه القلعة عام 1370ه وقد تم ترميمها من قبل وزارة المعارف ممثلة بالوكالة للآثار عام 1413ه. وتتكون القلعة من دورين يحتوى الدور الأول على فناء مكشوف وعدد من الحجرات ومسجد وبئر وهناك درج يؤدي إلى الدور العلوي الذي يحتوي على مسجد مكشوف يعلو المسجد السفلي وغرفة ودرج يؤدي إلى الأبراج التي تستخدم للحراسة والمراقبة، وكانت القلعة في الماضي مكانا لاستقبال الحجاج القادمين من الشام أما الآن فهي من المعالم الأثرية المهمة بالمنطقة. البدع (مدين) وتقع إلى الشمال الغربي من تبوك على بعد 225 كيلومتراً، وهي واحة قديمة بها قبور منحوتة في الصخور ترجع إلى العصر النبطي، كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة وموقع آخر لمدينة من الفترة الإسلامية المبكرة ويُعرف باسم الملقطة. تيماء وتقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة تبوك على بعد 263كلم، وهي من الواحات القديمة التي تضم آثارا عديدة يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام، حيث عُثر فيها على آثار ونقوش ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، وآثار أخرى يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية المبكرة ومن أهم آثار تيماء: بئر هداج، وقصر الحمراء، ومسلة تيماء الشهيرة المكتوبة بالخط الآرامي، وقصر البجيدي الذي يعود تاريخه الى العصر العباسي. قرّية وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة تبوك على بعد 79كلم وهي عبارة عن مستوطنة سكنية وزراعية تعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد وقد اكتشف فيها العديد من الأدوات الحجرية التي ترجع إلى العصر الحجري كما توجد بها أفران وفخار وأسوار ممتدة في السهل وترتفع إلى قمة جبل تحفه السهول من كل جانب، إضافة إلى المعابد وجداول توزيع المياه التي تشبه نظام الري في منطقة البدع يرتبطان ارتباطاً وثيقاً من حيث الأقسام الزراعية والصناعية ويعتبر موقع قرّية من المواقع الأثرية المهمة بشمال غرب المملكة. عينونة وتقع على بعد 100كلم إلى الشمال من محافظة ضباء وساحلها يقع على ميناء الأنباط السهير (لوكي كومي) المدينة البيضاء والتي لاتزال آثارها باقية في واحة عينونة قرب العين وعلى ساحل البحر الأحمر في المكان المسمى بالخريبة وبجانب هذه المنطقة النبطية توجد آثار الاستيطان الإسلامي. الديسة وتقع على مسافة 180 كلم إلى الجنوب الغربي من مدينة تبوك ويوجد بها واجهات نبطية غير مكتملة منحوتة في الصخور وبقايا جدران لمبان سكنية. المويلح وتقع إلى الشمال من محافظة ضباء على بعد 45 كلم ويوجد بها في الناحية الشمالية بئران يرجع تاريخهما إلى العصر المملوكي أما القلعة فيرجع تاريخها إلى عصر السلطان العثماني سليمان القانوني وقد بنيت سنة 968ه كما هو مدون على مدخلها وتعتبر من المحطات الرئيسية على طريق الحج المصري وأكبر قلعة شيدت على طريق الحج آنذاك. روافة ويقع على بعد 115 كلم إلى الجنوب الغربي من تبوك ويوجد في موقع روافده معبد يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد حسب النقش المؤرخ بعصر ماركوس أوليوس والذي عُثر عليها مؤخراً في ذلك المكان. قلعة الأزنم وتقع إلى الجنوب من محافظة ضباء على بعد 45 كلم وهي من أهم المحطات على طريق الحج المصري خلال العصر المملوكي شيدت في عصر السلطان محمد بن قلوون ثم أعيد بناؤها في عهد السلطان المملوكي قانصوة الغوري سنة 916ه وتتكون من فناء ووحدات داخلية وحجرات مستطيلة ونصف دائرية وديوان كبير. قلعة السوق وتتكون من بناء مستطيل الشكل ومزود ببرج مراقبة ومسجد وبئر ماء ومدخل وفناء صغير محاط بالحجرات والمرافق بنيت عام 1115ه الموافق 1703م. قلعة الزريب بالوجه وتقع بوادي الزريب شرق محافظة الوجه على بعد 10كم لحفظ الأمن بمنزلة الحجاج شيدت في عصر السلطان أحمد الأول 1026 ه وهي عبارة عن قلعة مستطيلة الشكل لها أربعة أبراج أما مدخلها فيقع في ضلعها الغربي وتحتوي من الداخل على حجرات تحيط بفناء القلعة ومصلى ووحدات سكنية. آثار الحوراء وتقع إلى الشمال من محافظة أملج على بعد 10كم على الشريط الساحلي، ويرجع إلى ما قبل الإسلام وقد كانت في القرون الهجرية الأولى ميناء للمدن الداخلية وصفت عند المؤرخين بأنها مدينة مسورة بها آبار وجامع وسوق عامرة. أما الآن فهي منطقة مغمورة تحت الرمال باستثناء الجزء السطحي منها تعود للقرن الرابع الهجري وهي عبارة عن بقايا اساسات الجدران التي تأخذ شكل التلال والملتقطات السطحية المنتشرة على سطحها حيث الكسر الفخارية بأنواعها وكسر الأواني والأدوات الحجرية وحفاظاً عليها فقد سورت آثار الحوراء لحين البحث والتنقيب فيها. إلى جانب هذه الآثار هناك آثار أخرى تزخر بها منطقة تبوك وتحتاج من الباحثين والمختصين الكشف عنها ودراستها وإظهارها الى أرض الواقع. تجدر الإشارة إلى انه يوجد بمحافظة ضباء إحدى محافظات منطقة تبوك قلعة بنيت في عهد الملك عبدالعزيز موحد هذا الكيان الكبير طيب الله ثراه وهي تذكرنا بتاريخ الملك عبدالعزيز وكفاحه الطويل من أجل نصرة هذا الدين وتوحيد هذه البلاد وضم شمل هذه الأمة وشتاتها تحت لواء الإسلام الخالد لتحقيق الأمن والاستقرار معاً وقد تم بناء هذه القلعة في عام 1352ه من الحجر الجيري الأبيض على تل صخري مرتفع يطل على البحر الأحمر وعلى الحي القديم للبلدة بواسطة بنّائين مهرة من المحافظة نفسها ومن بعض المحافظات القريبة منها وستبقى هذه القلعة ذكرى خالدة للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ومعلماً تاريخياً للمحافظة. تطالعون في الحلقة الثالثة: مقومات النشاط السياحي في تبوك والنهضة الحضارية التي تعيشها المنطقة.