في هذه الليلة يشرفني أن اشارك في الحديث عن رجل يعمل بصمت ويبحث بعمق ويكتب بادهاش لا يعشق الأضواء، ولا يركض وراء الشهرة الجوفاء، لهذا لم تصبه كيمياء الحظ بضجيج بلا معنى وتطبيل بلا غاية ومعارك بلا راية. هذا الرجل الانسان لا يعرفه بحق الا من قرأه بجدية، ودرسه بعناية وتابع ما يطرحه بذكاء. درس العلم الشرعي ووعاه وتناول قضايا الفقه والفساد الاخلاقي فشخص الحالة وحدد المفصل وقدم الحل.. فمن يملك الشجاعة ويتقدم بجسارة ليعلق الجرس؟ تولى مناصب كثيرة ورأس لجانا عديدة ونفذ مشروعات بالمئات وجرت بين يديه ومن خلفه اغواءات وإغراءات وترددت على مسامعه عبارات استوحش من أكثرها وما عبىء بأكبرها. فلم يعرف عنه (خذ وهات) وهكذا نفوس الكبار (نظيف الجيب واليد واللسان). هذا الانسان الجالس بينكم الآن والذي جئنا الى هذه الدار نسهم مع صاحبها في تكريمه ونشارك معه في تقديمه لمن لا يعرفونه. له من المزايا والسجايا ما لا أحيط بها خبراً ولكني أدفع بالقليل الذي أرويه لا الكثير الذي أطويه فبرغم تسلمه وتوليه لأعمال لا تتم الا بجبال من الاموال وحشود من الرجال فقد عرف بغنى النفس والترفع عما يشين وعدم التطلع للآخرين، وهذه خصلة وسجية ما يلقاها الا الذين صبروا وما يلاقيها الا ذو حظ كبير. عظيم من استولى على الناس كلهم ولكن من استغنى عن الناس أعظم منذ عرفت الاستاذ الشيخ أو الشيخ الرئيس وأنا أعجب بسيرته في الحياة، وسيره بين المطامع والشهوات والضغوط والتلويحات. ولكن على طريقة مصطفى صادق الرافعي (في النار ولا تحترق).. يا ايها الشيخ الرئيس انك تطلب في الناس المثال وتتطلب من الصلصال الاتيان بالمحال ولك أكثر من ثلث قرن على هذه الحال.. فهل وجدت خاتم سليمان؟ ما تذكرت جهدك المستديم وجهادك العظيم وإصرارك العجيب على الاستمرار في هذا الطريق السرمدي الطويل والمشوار الرمادي المسرف في ضبابيته.. إلا تذكرت قول الشاعر يصف مصلحاً آخر: وتراه بالاصلاح مقرى كلما وجد السبيل الى صلاح سارا حتى كان عليه عهداً للعلا أن يصلح الأخلاق والأفكارا إنني اهنئك يا سيدي على هذا الموقف الذي اخترته لنفسك وارتضيته لها.. صدقاً مع الذات وراحة للضمير وترفعاً عن لهاث الدنيا وغنى للنفس والوجدان. والله المستعان. لطائف: عبدالرحمن المعمر