دعا عدد من أساتذة القانون والسياسة والحقوقيين المصريين إلى توثيق جرائم مجرمي الحرب الاسرائيليين والاستعداد لطرحها في كافة المحافل الإقليمية والدولية خاصة بعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وأكدوا أنه رغم الدعم الأمريكي الحائل دون تحقيق هذه المحاكمة حاليا ورغم وجود بعض العقبات السياسية والقانونية في المنظمات والاتفاقيات الدولية إلا أن هناك طرقاً عدة يمكن التحايل بها وتحقيق أمل محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين ومن بينها المحاكمات الشعبية واللجوء إلى الأنظمة القضائية التي تتمتع بولاية قضائية دولية مثلما هو حاصل في بلجيكا إلى جانب القضاء الوطني في البلاد العربية الإسلامية. جاء ذلك في ندوة دعا إليها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان «محاكمة مجرمي الحرب بين طموحات الشعوب وقيود الواقع» حذر في بدايتها بهي الدين حسن مدير المركز من محاولات تجري لإجهاض النجاح الذي تحقق في إثارة محاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون أمام القضاء البلجيكي مؤكدا على أهمية الاستمرار في إثارة قضية محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين ليس عن جرائم الاجتياح الأخير للأراضي الفلسطينية فقط ولكن عما يزيد من نصف قرن من الجرائم ضد الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني. وانتقد بهي تعثر إنشاء مركز لتوثيق جرائم الحرب الاسرائيلية بجامعة الدول العربية بسبب احجام الحكومات العربية عن تقديم التمويل اللازم له مؤكدا على أهمية خطوة التوثيق للاستناد إليها بشكل قوي عند إثارة موضوع المحاكمة في أي محفل اقليمي أو دولي. وأعلن بهي عن مبادرة للرابطة العربية الأوروبية لإنشاء منظمة عربية دولية لملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين توزع نطاقها لتشمل الجرائم الأخيرة وفي مقدمتها مجزرة جنين مستندا في ذلك إلى التدليل على أهمية الجهد الذي تقوم به المنظمات العربية غير الحكومية في هذا الشأن. وأبدى حافظ أبو سعدة المحامي وأمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أسفه لكون الخيط الأول نحو إثارة قضية محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين قد جاء من اسرائيل ولم يأت من أية دولة عربية ارتكبت على أرضها هذه الجرائم مشيرا بذلك إلى اعترافات الضباط الاسرائيليين بارتكاب جرائم حرب ضد الأسرى المصريين من المدنيين والجنود في حربي 1956 1967م. وأشار أبو سعدة إلى أن بداية الاعترافات كانت على لسان الضابط ارييه ييرو في أغسطس 95 ونشرتها جريدة معاريف بأنه قتل 49 مصريا من عمال المناجم لأنهم كانوا سيعيقون تقدم جنوده. وأضاف ان الاعترافات توالت بعد ذلك في الصحف الاسرائيلية لتكشف تورط عدد كبير من القادة والجنود في هذه الجرائم وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الحالي ارييل شارون وذلك بشهادة هؤلاء الضباط وشهادات المصريين الناجين من هذه الجرائم. واستطرد أبو سعدة مشيرا إلى أن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان قامت بتوثيق هذه الشهادات واستندت إليها في تقديم بلاغ إلى النائب العام المصري لفتح تحقيق فيها استنادا إلى أن هذه الجرائم وقعت على أرض مصرية وأنها أيضا لم تسقط بالتقادم وفقا لاتفاقيات جنيف. وأضاف ان المنظمة ومركز القاهرة طالبا أمام لجنة حقوق الإنسان بجنيف بتشكيل محكمة دولية على غرار محكمة يوغسلافيا وبورندي لمحاكمة شارون والقادة الاسرائيليين الذين شاركوا في هذه الجرائم. وأعلن أبو سعدة أن المرحلة التالية لعمل المنظمة إذا ما فشل النائب العام تتمثل في رفع دعوى في أوروبا خاصة في الدول التي يوجد بها اختصاص قضائي عام مثل بلجيكا إلى جانب رفع دعاوي تعويضات للضحايا المصريين أمام محاكم عدة ومن بينها المحاكم الاسرائيلية نفسها. واعتبر الدكتور فؤاد رياض القاضي السابق بالمحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا أن إنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا هو نقطة التطور الحقيقية في القضاء الدولي مشيرا إلى أن إنشاء هذه المحكمة تم برغبة الإنسانية كلها في حين أن محاكمات نورمبرغ أقامها الطرف المنتصر ضد الطرف المهزوم مشيرا إلى أن محكمة يوغسلافيا أثبتت وجود قضاء جنائي دولي ونجاحه وقدرته على الوصول لرئيس الدولة نفسها. وأشار إلى أن المبادئ التي قررها القضاء الجنائي الدولي مثل الإبادة الجماعية والإبادة الثقافية يمكن تطبيقها على الجرائم الاسرائيلية على أرض فلسطين حيث الإبادة الجماعية في جنين والإبادة الثقافية في القضاء على التراث العربي في فلسطين إلى جانب إنكارهم لزمن طويل وجود شيء اسمه فلسطين كما كانوا يرددون. وذهب رياض إلى أن هناك عدة طرق متاحة أمام الجانب العربي لإثارة قضية محاكمة الاسرائيليين منها مطالبة مجلس الأمن بإنشاء محكمة مشابهة لما حدث في يوغسلافيا وبورندي وفي حالة عدم النجاح في تحقيق عن طريق مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي يمكن اللجوء للجمعية العامة مثلما حدث مع مصر إبان العدوان الثلاثي عام 1956م. وأضاف ان الطريق الثاني هو اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية مؤكدا على ضرورة انضمام الدول العربية لهذه المحكمة قبل يوليو المقبل مشيرا إلى أن الخيار الأخير أمام الجانب العربي هو الاختصاص القضائي الوطني والمحاكمات الشعبية التي يشارك فيها كبار المفكرين والفلاسفة في مختلف دول العالم مثلما حدث بعد حرب فيتنام ومع امبراطور اليابان السابق. أما الدكتور حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فقد بدأ حديثه مؤكدا على أن هناك فجوة كبيرة بين ما تتطلع إليه الشعوب وبين الواقع خاصة إذا كان هذا الواقع يتعلق بشكل النظام الدولي الحالي. وأشار إلى أن الطريق ما زال طويلاً أمام أن تصبح المحكمة الجنائية الدولية حقيقة واقعة وأن وجودها لا يعني أنه قد أصبح من السهل محاكمة كل مجرم حرب موضحا أن موازين القوى الدولية سوف يكون لها دورها في تحديد مجريات هذه المحكمة. وأضاف ان الاتفاقية المنشئة للمحكمة لم تتحدث بالتفصيل عن جرائم العدوان رغم أنها تتعلق بجرائم الإبادة والحرب وجرائم ضد الإنسانية. واستطرد مشيرا إلى أن الاتفاقية المنشئة للمحكمة يبدو فيها بعض الخلل السياسي في إعطاء دور لمجلس الأمن في إجراءات المحاكمة وأن يتدخل ويوقف إجراءات التحقيق والمحاكمة إذا صدر عن المجلس قرار بذلك وفقا للفصل السابع من الميثاق الذي يطالب بتعطيل هذه الإجراءات مذكرا بأن إجراءات مجلس الأمن هي قرارات سياسية وتعكس خللا كبيرا في النظام الدولي. وأضاف نافعة انه فيما بعد إنشاء المحكمة في يوليو القادم فإن هناك شكوكاً حول الاستقلال المالي والإداري للمحكمة بسبب أنها تعتمد على بعض الأموال من الأممالمتحدة أو الدول الأعضاء نفسها. وأوضح أن المحكمة أيضا لا توجد بها سلطة سياسية أو أمنية تقوم بالتحري وجمع الأدلة والقبض على المتهمين وأنها تعتمد في ذلك على تعاون الدول وهو أمر غير متاح دائما. وأكد أن الغياب الأمريكي عن المحكمة يضعفها كثيرا مشيرا إلى أن هذا الغياب يؤكد في نفس الوقت على عنصرية المجتمع الأمريكي وعلى تعالي أمريكا على الاتفاقيات والقوانين الدولية إلى جانب استمرار أمريكا في اسباغ الحماية على اسرائيل والتغطية على الجرائم الحربية الأمريكية في مختلف مناطق الحماية. وفيما يتعلق باللجوء للجمعية العامة كخيار مطروح قال نافعة ان الجمعية العامة أيضا تحكمها الاعتبارات السياسية في ظل هيمنة قطب واحد على النظام الدولي.