الطالب في مراحله الأولى يظن أستاذه يعلم كل شيء كما أنه يعتقد أن والده يقدر على كل شيء.. وكلما كبر سنه ونضج عقله أدرك الواقع فعلم جوانب نقص أستاذه مهما كانت منزلته ووقف على عجز والده. هذا هو الواقع الذي يجب أن يعلمه الطالب وهو في مراحله الأولى، أي يجب على المعلم أن يربي طلابه على ألا يخوض الإنسان فيما لا يحسن وألا يلبس ثوباً ليس له وألا يكون من الذين يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا، وينبغي أن يكون القدوة لهم في تطبيق ذلك لكن بعض المعلمين يريد أن تبقى هذه النظرة الإعجابية له فيستنكف أن يقول لما لا يعلم لا أعلم ظنا منه أن هذا ينقص قدره ويضعف مكانته، والحقيقة أن هذا مما يعلي مكانته ويرفع قدره وإن أبى إلا الأخرى فسرعان ما يقف التلاميذ على جهله واستكباره. كل من يدعي بما ليس فيه فضحته شواهد الامتحان وقد وقفت على كلام جميل للشيخ السعدي رحمه الله في هذا المعنى يقول فيه: ومن أعظم ما يجب على المعلمين ان يقولوا لما لا يعلمونه: الله أعلم وليس هذا بناقص لأقدارهم، بل هذا مما يزيد قدرهم ويستدل به على كمال دينهم وتحريهم للصواب وفي توقفه عما لا يعلم فوائد كثيرة منها: أن هذا هو الواجب عليه ومنها: أنه إذا توقف وقال: الله أعلم فما أسرع ما يأتيه علم ذلك من مراجعته أو مراجعة غيره فإن المتعلم إذا رأى معلمه قد توقف جد واجتهد في تحصيل علمها واتحاف المعلم بها فما أحسن هذا الأثر. ومنها: أنه إذا توقف فيما لا يعرف كان دليلاً على ثقته وأمانته وإتقانه فيما يجزم به من المسائل، كما أن من عرف منه الإقدام على الكلام فيما لا يعلم كان داعياً للريب في كل ما يتكلم به حتى في الأمور الواضحة. ومنها: أن المعلم إذا رأى منه المتعلمون التوقف فيما لا يعلم كان ذلك تعليماً لهم وإرشاداً لهذه الطريقة الحسنة والاقتداء بالأحوال والأعمال أبلغ من الاقتداء بالأقوال. وهذا هو منهج العلماء الثقات ولذا كانوا يقولون: لا أعلم نصف العلم. روي أن رجلاً جاء للإمام مالك رحمه الله فقال: يا أبا عبدالله جئتك من مسيرة ستة أشهر حملني أهل بلدي مسألة أسألك عنها قال: سل، فسأله الرجل عن المسألة فقال: لا أحسنها فبهت الرجل، وكأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء فقال: أي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم قال مالك لا أعلم. (*) جامعة أم القرى - مكة المكرمة