بعدتراجع العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وانتهاء الحصار الإسرائيلي لكنيسة المهد ومدينة بيت لحم .قام الفلسطينيون بتنفيذ عملية استشهادية جديدة أسفرت عن مقتل 15 إسرائيليا، وهنا وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه تحت ضغط كبير لإعادة حساباته بشأن حجم الهجوم على قطاع غزة. وبالفعل احتشدت القوات الإسرائيلية خارج قطاع غزة استعداداً للهجوم على القطاع في نفس الوقت استعد الفلسطينيون داخلها للدفاع عن أرضهم، ولكن يبدو أن شارون فقد فرصته لاجتياح قطاع غزة بسبب المعارضة الداخلية والموقف الأمريكي الجديد الذي يضغط في اتجاه السلام. فبعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة بيت لحم أصبحت واشنطن أكثر تفاؤلا بوجود فرصة دبلوماسية للخروج من المأزق، فالرئيس بوش اعتبر إنهاء الحصارعلى بيت لحم أنه يجب أن ينعش الآمال في استئناف العملية السياسية تجاه السلام. في نفس الوقت أكد قادة المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا في لقائهم بشرم الشيخ التزام العرب بمبادرة السلام العربية الأمر الذي فتح مجالا أوسع أمام الإدارة الأمريكية لممارسة المزيد من الضغط على شارون ودعم موقف أنصار السلام في الإدارة الأمريكية في مواجهة صقور إدارة بوش. وهناك جدل في إسرائيل حاليا بشأن مدى استعداد بوش حقيقة في الضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين لتحقيق السلام أو ما إذا كانت واشنطن تحاول الخروج من الأزمة من خلال جولة محادثات جديدة فقط لتهدئة غضب حلفائها العرب واليهود الأمريكيين والجناح اليميني في الحزب الجمهوري. يقول كبار مساعدي شارون إنهم غير متأكدين مما إذا كانت واشنطن جادة وما إذا كان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول سيستطيع إقناع بوش بأن السلام ممكن فقط من خلال ممارسة المزيد من الضغط القوي على إسرائيل. وقال مسؤول إسرائيلي إن الحديث عن مؤتمر السلام غامض ونحن نعتقد أن هناك أزمة إدارة في واشنطن ولكننا نريد أن نعرف ما إذا كانت أزمة بسيطة أو خطيرة بالنسبة لإسرائيل. يشير المحلل السياسي الإسرائيلي يوسي ألفير إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات فيقول: إنه إذا شعر شارون بأن الولاياتالمتحدة والأوروبيين والعرب يضغطون على عرفات وأن الاخير يستجيب لهذه الضغوط فإن شارون قد يعتقد أنه ليس مضطرالعمل أي شيء ويقوم بمزيد من التصعيد لذلك، فالمطلوب هو العكس بحيث يتم الضغط أيضا على شارون. ويضيف ألفير أنه بدون تحديد واضح من واشنطن سيكون هناك المزيد من العمليات الاستشهادية وحتى إذا أراد شارون أن يوقف العمليات العسكرية لن يتمكن، وسيستمرالعنف إذا لم يكن لدى واشنطن استعداد حقيقي لدفع الثمن السياسي للضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين. أما مارتن إنديك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل فيقول إن الإدارة الأمريكية متماسكة بشأن غزة فهي تفصل بين الاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ورغبتها في عدم القيام بهجوم واسع على قطاع غزة يدمر الجهود الدبلوماسية التي بدأت بالكاد. يقول المسؤولون الأمريكيون: إن واشنطن طلبت من شارون أن يفكر جيدا في عواقب عملية غزة الآن ولكنهم لم يحددوا ما إذا كان شاورن قد ألغى مثل هذه العملية بالفعل أو أنه أجلها فقط. يقول إنديك: إنه بعد شهور طويلة أصبحت الجهود الدبلوماسية مبشرة خاصة في ضوءالمشاركة السعودية والمصرية الفعالة.وحول الرؤية الإسرائيلية التي تطالب بإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية بحيث يصبح عرفات رئيسا صوريا والحديث عن محاربة الفساد في السلطة الفلسطينية وإعادة تشكيل أجهزة الأمن الفلسطينية بحيث يتم التأكد من أن المساعدات الأجنبية لا تصل إلى الفدائيين قبل البدء في العملية السلمية قال أنديك إن كل هذايحتاج إلى وقت وهناك عنصر مختلف تماما على الأرض يحدد مسار العملية هو العنف المستمر. وبالفعل أرجأ شارون مهاجمة غزة بعد أن أدرك أن واشنطن والقادة العرب بدأوا يضغطون على عرفات لإصلاح السلطة الفلسطينية وتفكيك الجماعات الفلسطينية المسلحة.لذلك فإن أي هجوم على قطاع غزة سيؤدي إلى نتائج عكسية حيث سيظهر عرفات مرة أخرى وكأنه ضحية.كما أن القوات الإسرائيلية تشعر بقلق بالغ بعد أن فقدت عنصر المفاجأة واحتمال تعرضها لخسائر كبيرة في حالة اجتياحها لقطاع غزة، كما أن الرأي العام في إسرائيل أقل اقتناعا بضرورة عملية غزة وقد أوضحت استطلاعات الرأي ذلك. كما أن الجيش الإسرائيلي قد تعرض لانتقادات حادة بسبب جرائمه في مخيم جنين بالضفة الغربية في حين أن مخيمات اللاجئين في قطاع غزة أكبر من مخيم جنين بست مرات.يقول الضباط الإسرائيليون: إنهم استوعبوا دروس مخيم جنين وأنهم لن يستخدموا قوات الاحتياط في أي معارك بالمخيمات، ورغم ذلك فإن أي عملية عسكرية أكبر من الهجوم الخاطف على أهداف محددة سيؤدي إلى سقوط ضحايا كثيرين من المدنيين ويشعل الغضب الدولي مرة أخرى. السبب الآخر في تأجيل الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة هو توقع إسرائيل قيام الرئيس عرفات بتفكيك حماس والجهاد وبذلك لا تضطر إسرائيل للقيام بذلك، وعلى الرغم من شعبية شارون في إسرائيل فإنه يواجه مشكلات داخلية، فرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو يسعى لإزاحته عن رئاسة تكتل الليكود الذي يقوده حاليا لذلك فإنه يحاول أن يجهض أي تصويت لصالح قيام دولة فلسطينية التي قال عنها شارون نفسه أنها حتمية. ومهما يكن فإن الضغط على كل من شارون وعرفات قد يؤدي إلى قبول الاثنين بدولة فلسطينية لا يريدها أي منهما فعرفات قد يضطر إلى التخلي عن المطلب الفلسطيني الدائم بانسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود ما قبل الرابع من يونيو عام 1967ويضطر شاورن إلى التخلي عن موقفه الدائم الرافض للانسحاب من مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل السلام.