عبدالله بن علي القصيمي من منطقة القصيم في نجد.. وإن كان البعض ينكر «قصيميته» وينسبه الى صعيد مصر أصلاً. عاش القصيمي في القاهرة وظل على جنسيته السعودية طيلة بقائه في مصر وظلت حكومة المملكة العربية السعودية تصرف له راتباً شهرياً بصفته سعودياً.. مدة حياته. يُعَدُّ في النصف الأول من عمره تقريباً من العلماء السلفيين الذي أثروا المكتبة العربية الاسلامية بكتبهم القيمة.. فقد دافع عن الاتجاه السلفي دفاعاً قوياً.. تمثل في عدد من كتبه نحو «البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية» وهو فضح للصوفية وخرافاتها، وكتابه «الصراع بين الاسلام والوثنية» وكتاب «الفصل الحاسم بين الوهابيين وخصومهم» ردَّاً على كتاب محسن الأمين العاملي «كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب».. وله كتب أخرى قيمة في هذا الاتجاه خلال فترة حياته السلفية. لكنه بدأ يأتي بما لايتفق مع توجهه السالف.. بدءاً بكتابه «هذي هي الاغلال» ثم بكتابه «العالم ليس عقلاً» وما بعد هذين الكتابين أشد وأنكى.. مثل هذا الكون ما ضميره؟» «العرب ظاهرة صوتية» «الكون يحاكم الإله».. إلخ. لقيته أكثر من مرة في السفارة السعودية بالقاهرة وطلب مني زيارته في منزله بروضة المنيل للمشاركة في جلسته الأسبوعية.. و الحقيقة أنني كنت أتهرب من المشاركة في جلسته تلك.. لما وقر في ذهني عنه بأنه لم يعد يسير وفق الاتجاه الاسلامي، بل تغير تغيُّراً كبيراً في فكره ورؤياه وثوابته الاسلامية.. من النقيض إلى النقيض وهذا ما لا أطيق الانسجام معه. في الستينات الميلادية أبعده جمال عبدالناصر عن مصر فذهب الى بيروت واستوطنها عدة سنوات.. وما زلت لم أعرف السبب الذي أبعده عبدالناصر من أجله..؟ خلال وجوده في بيروت.. وفي نفس العام الذي صدر فيه كتابه الضخم «العالم ليس عقلاً».. اتصل بي الأستاذ حمد الجاسر رحمه الله في مسكني ببيروت.. ولم أكن ساعتها موجوداً فأخبرته عائلتي بذلك.. لكنه قال لهم: أخبروه أنني والاستاذ عبدالمحسن المنقور «الملحق الثقافي ببيروت حينذاك» والأستاذ عبدالله القصيمي، والدكتور قدري قلعجي الناشر سنزوره في بيته مساء اليوم.. رحبت بهم جميعاً عندما أتوا.. وجلسنا جلسة ثقافية ممتعة دون خوض في فكره وكتبه.. وقد أهداني نسخته من كتابه الجديد «العالم ليس عقلاً»، وطرزه بعبارات رنانة ما كنت مؤهلاً لها.. في ذلك الحين على الأقل . زارني بعد ذلك بمفرده.. فوجدتها فرصة سانحة لأعرف منه حقيقة موقفه المبدئي والفكري مشافهةً.. خاصة بعد أن قرأت القسم الأول من كتابه بعنوان «دفاع عن إيماني» كما قرأت القسم الثاني أو الثوب المفصل على ذلك الرئيس العربي المعروف.. دون أن يسميه. سألني: «هل قرأت شيئاً من الكتاب؟ وماذا تقول عنه؟» قلت إني قرأت منه كذا وكذا، لكني قبل أن أتطرق إليه أحب أن أشركك معي في الاجابة على سؤال وجهه إلى ابني عبدالعزيز ذي السنوات الخمس ذات يوم، ونحن نسير معاً في الشارع وهو ممسك بيدي قائلاً، بعد حديث في البيت حول الجنة والنار «يبه وين الجنة فيه؟» قلت لا أدري، الله أعلم، قد تكون في الأرض او في السماء.. قال: «إذا صارت في السماء وشلون ناصلها؟» فما جوابك يا «أبا علي» على هذا السؤال؟!.. قال أبو علي «قل له هذا حكي وخرافات.. إلا إذا كنت يا أبا عبدالعزيز تؤمن بمثل هذه الخرافة فقل له إن الذي خلق السماء ورفعها يقدر يرفعنا إليها..»! قلت دعني إذن أسألك عن أول قسم من كتابك «دفاع عن إيماني»؟ ما هو إيمانك الذي تدافع عنه فردَّ أبو علي «يا أخي دع مثل هذا السؤال للعوام والمتخلفين.. أما أنت وكل أديب ومفكر حر فقد تجاوزتم هذه المرحلة..»!! قلت: أرجو ألا تدغدغ عواطفنا بمثل هذه الأوصاف.. أريد جواباً صريحاً على السؤال.. وبعد تردد قليل، أطلقها صاعقةً مُصْعِقةً.. «إيماني أني لا أؤمن بالله..»؟!! قلت دعني أسألك هذا السؤال الأخير: من هو صانع هذا الكون ومبدعه؟ قال أبو علي: «الطبيعة» قلت سبحان الله.. ومن الذي خلق الطبيعة.. إذ لايمكن عقلاً أن يَخْلُقَ الشيءُ نفسَه.. فلا بد لكل موجود من موجد، ولكل مخلوق من خالق..؟ أبو علي قال «أوه يا عبدالله أدخلتنا في جدل لا ينتهي..» عند الباب وأنا أودعه قال: «للحديث بقية..» قلت: بل «هذا فراق بين وبينك». هذه خلاصة ما دار بيني وبينه قدم أبو علي القصيمي على ما قدم.. ووافى الذي يعلم السر وأخفى.. وكلي أمل ورجاء أن يكون قد تاب وأناب.. ونأمل من ابنه الفاضل الدكتور فيصل أن يطمئنناً على حسن خاتمته، والله يقبل توبة عبده ما لم تبلغ الروح الحلقوم، سبحانه لا اله إلا هو خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل.