هناك ظواهر عديدة تعاني منها مجتمعاتنا وخصوصاً في الآونة الأخيرة، وهناك ظاهرة تعتبر بحق من أخطر تلك الظواهر التي تهدد أمن بلادنا واستقرارها ألا وهي ظاهرة التفحيط وذلك لما ينجم عنها من خسائر في الأموال والأرواح والممتلكات وإزعاج وترويع للمواطنين والآمنين.ومع أن أسباب مثل هذه الظاهرة لا تخفى على كثير منا إلا أننا لا نحرك ساكناً تجاهها غير مبالين بنتائجها وعواقبها بالرغم من أن الدولة رعاها الله ممثلة بوزارة الداخلية تبذل قصارى جهدها في معاقبة من يمارس مثل هذه الظاهرة مع أن الأمر يعنينا في المقام الأول ويتعلق بمصير أبنائنا فلذات أكبادنا صناع المستقبل الجيل الطامح لبلوغ ذرا المجد والمعالي بإذن الله. إننا لو تأملنا بوضوح وأناة مظاهر هذه الظاهرة لأدركنا أننا لا نجهل العوامل المسببة لها، وسأطرح هنا بعض الأسباب التي أدت إلى مثل هذه الظاهرة من وجهة نظري، فالمتأمل لهذه الظاهرة يجد أنها ترجع إلى: 1 ضعف الرقابة بل وانعدامها أحياناً من قبل الوالدين والأهل والأسرة عموماً على الأبناء وعدم متابعتهم والثقة المفرطة فيهم في مراحلهم العمرية الأولية الهامة من حياتهم وعلى وجه التحديد فترة المراهقة، وترك الحبل لهم على الغارب وتمليكهم سيارات ثمينة شقي الأب أو الأم في جمع أموالها فتطير هباءً منثوراً في متناول هذا الابن الصغير الذي لم يقدر هذا الجهد ويحافظ على هذه السيارة وعلى حياته عند قيادتها، وذلك لأنه لم يدفع ريالاً واحداً فيها وإنما جاءته بأيسر الأحوال، وكما يقال «ماجاء بالساهل يذهب بالساهل». 2 الجهل أحياناً من قبل الأسرة بخطورة حيازة الابن على سيارة ومن ثم بما يلي ذلك من عواقب، لأنه من المؤكد أن الوالد الذي يعرف مصلحة ابنه ويدرك خطورة مثل سلوكه هذا لا يعمد إلى تعريضه لذلك الخطر بل والموت إن استمر الأمر لا سمح الله، مع أن الموت قد يكون في بعض الأحيان أهون وأسهل كثيراً مما تسببه بعض حوادث السيارات من إعاقات أو فقد لأحد الأعضاء الجسمية لا سمح الله. 3 كثير من الظواهر والسلوكيات التي تحدث في المجتمع يرجع إلى سوء التربية والقسوة في التعامل مع الأبناء أو التفريق في المعاملة بينهم أو التوجيه الخاطئ لما يصدر عنهم من تصرفات أو سلوكيات غير مرغوبة، هذا بالإضافة إلى المشاكل الأسرية التي تحدث سواءً للأبناء أنفسهم أو لغيرهم ومعاصرتهم لها داخل الأسرة، فإن ذلك له دور في ميل الأبن ونزعته إلى التعبير عن انفعالاته بصورة خاطئة أحياناً ليس بالانتقام من نفسه وأسرته فقط وإنما من المجتمع المحيط به عموماً، فتراه يلجأ إلى التفحيط كوسيلة لتفريغ ما يكمن بداخله من انفعالات ومكبوتات ومشكلات تؤرقه داخل أسرته. 4 الجهل وعدم الوعي لدى الكثير من الشباب الذين يمارسون هذه الظاهرة وعدم تقديرهم لقيمة السيارات التي يقودونها والجهد المبذول في صناعتها، وجمع المال لشرائها، وقبل ذلك خطورة ما يقومون به من تصرف وعمل يشكل خطورة على أمن أنفسهم وأسرهم وبلادهم.والجهل وقلة الوعي قد يدفعان الشاب لتقليد غيره في ممارسة هذه الظاهرة دون تفكير بعاقبة ذلك ونهايته اعتقاداً منه بأن مثل ذلك السلوك يكسبه القدر والقيمة والرجولة أمام الآخرين. 5 الشعور بالفشل والنقص لدى الشاب، مما يدفعه لتعويض هذا النقص والفشل بممارسة سلوك خاطئ كالتفحيط ومحاولة الإثبات للآخرين بأنه مجيد للقيادة وماهر فيها بدليل تفحيطه وقيامه بحركات تذهل الآخرين وتبعث في نفوسهم الإعجاب به وبما يقوم به أمامهم. 6 التقصير منا كمواطنين في تأديتنا لمسؤولياتنا تجاه ديننا أولاً ثم أمن وطننا وكذلك سلامة أبنائنا حيث إن ديننا الحنيف ائتمننا على هؤلاء الأبناء واسترعانا عليهم. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، كما ينبغي لنا متابعة هؤلاء الأبناء والخوف عليهم وإن لم يكونوا أبناء لنا عندما نراهم يمارسون مثل هذا السلوك فأبناء إخواننا المسلمين هم أبناء لنا، والبارئ جلت قدرته يقول: «إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» بمناصحتهم وإرشادهم وبيان خطورته على حياتهم، أو تقديم مثل ذلك النصح والتوجيه لأبنائهم إن أمكن، وان استدعى الأمر التبليغ عنهم، والمساهمة الفعالة مع الجهات الأمنية في إيقاف مثل هؤلاء المفحطين عند حدهم، فالدوريات الأمنية لن تستطيع وحدها الإحاطة بكل ما يحدث من مخالفات أو معاكسات مرورية ما لم نسهم نحن كمواطنين يهمنا أمن بلدنا واستقراره، وتهمنا كذلك مصلحة أبنائنا وأبناء إخواننا المسلمين وسلامتهم بدورنا جنباً إلى جنب مع تلك الجهات الأمنية لقمع هذه الظاهرة الخطيرة التي تفشت في الحقبة الأخيرة من الزمن، والضرب بيد من حديد على ممارسيها ومرتكبيها. 7 عدم إسهام بعض المؤسسات الاجتماعية كالمدرسة والمسجد بدورها كاملاً إزاء هذه الظاهرة في توعية وتوجيه الأسر قبل الأبناء بخطورتها على أمن وسلامة أبنائنا وممتلكاتنا، ومن جانب آخر الاستفادة مما لدى الكثير من هؤلاء الشباب من طاقات ونشاطات وتوجيهها فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم. 8 بالرغم من أن وسائل الإعلام تقوم بجانب إدارة العلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية بدور فعال في التوعية الأمنية والمرورية وخصوصاً فيما يتعلق بالحوادث المرورية إلا أنها لم تخصص برامج أو مواد تتناول هذه الظاهرة بالذات بشكل مكثف، وتوضح ليس خطورتها وعواقبها الوخيمة فحسب وإنما كذلك جزاء مرتكبيها وتكون بصفة مستمرة ومتواصلة، بحيث لا يكون لأحد عذر بعد ذلك عند وقوعه في أيدي رجال الأمن وردعاً لأمثاله من المخالفين. وأخيراً هناك سؤال هام في الحقيقة ويحتاج إلى دراسة وله علاقة بمسألة الحد من حوادث المرور عموماً بإذن الله وهو: هل كل شخص يسمح له بقيادة أو حتى امتلاك سيارة، فكثيراً ما نجد ابناً يقود سيارة سنه لا يتجاوز 15 أو 16 سنة، ففي اعتقادي أن حيازة ابن في مثل هذه السن على سيارة وقيادته لها إنما هو تعريض لحياته وحياة الآخرين للخطر إن لم يكن قضاء على حياته في بعض الحالات. ونقول هنا: لماذا لا يحدد سن قانونية لا يمكن لمن هو أقل منها قيادة السيارة بل وحتى الحيازة على رخصة للقيادة وذلك لأن كثيراً من الحوادث التي تقع في الفترة الأخيرة نجد أن أحد طرفيها إن لم يكن كلاهما مراهق صغير السن، وقد ارتكب هذا الحادث نتيجة سرعة جنونية أو مخالفة مرورية كقطع إشارة أو تفحيط وقد يدفع ثمن هذه الجنونية والعنجهية أسرة كاملة لا ذنب لها؟