وإذن فكرة «النظم» بطريقة مخصوصة هي التي تؤول باللغة إلى إمكانها المجازي غير أن هنا اشتراطاً معرفياً جَماليّاً على قدر كبير من الأهميّة.، ذلك هو اشتراط الإمكان الجمالي في العقل الناظم..، ومن ثم فانا نريد ان ننظر الآن في النماذج الثلاثة التالي: ذو الرُّمَّة: أقمتُ بها حتّى ذوى العُودُ في الثرى وساقَ الثُّريَّا في ملاءتِهِ الفَجْرُ.. المعرّي: فكاد الفجر تشربه المطايا وتُملأُ منه أسقيةٌ شِنَانُ وفي المجزوء(1/4) هل ومابي سَهْوٌ.. عن الفجر سربالَهُ وتجرَحُ يا شعرُ في الفجر ماءً وزهرا.. * * * وفي وسعنا أن نلاحظ الآن كيف تكررت مفردة «الفجر» في الأبيات الثلاثة غير أنها مفردة لغويَّةٌ متحوِّلة باعتبار تَحَوُّل صفة النظم على وجه التحديد.، هي مفردة في كيان لغوي أو في نظم لغوي بطريقة مخصوصة.، إننا لسنا بإزاء المفردة بذاتها.، نحن حين ننظر إليها هكذا فإنما ننظر إلى اللغة بما هي ألفاظ ودلالات مستقرَّة، هذا هو الفرق وهو من أهم اشتراطات المثول المجازي، أن تتجاوز اللغة الدلالة المستقرَّة إلى الدلالة المتحولة، وربما كان ذلك تأسيساً جديداً لصفة المجاز أو لتعريف المجاز، إلاَّ أننا سنظل بحاجة إلى قاعدة بيانيَّة ندرك من خلالها كيف تكون اللغة متحوِّلة دون تجاوز شرط نظامها الخفي ذي الصِّلَةِ بما نسمِّيه قرائن المجاز.، أعود إلى الوحدة اللغويَّة التي تشبه عامل الاشتراك في لغة العلم، هذه مفردة «الفجر» ترد عند ذي الرُّمَّة وعند المعرِّي وفي البيت الذي ورد في بداية النصِّ في (1/4).، وربما كان من المأمول أن نتذكَّر فكرة الحيِّر الذهني الجمالي وفكرة اللحظة المجازيَّة في الذهن، لنقول إنَّ كُلَّ بيت من النماذج أعلاه يعادل في حقيقة الأمر حيِّزاً ذهنيًّا جماليًّا في لحظة مجازيَّة ذهنيّة على تفاوت.، إلا الذي نسمّيه اختلاط الإمكان اللُّغوي بالإمكان المجازي الذي تصدر عنه اللغة الشعرية، قد ورد فيه عامل اشتراك لغوي، عامل الاشتراك اللغوي هذا أو إحدى لبنات النَّظم، أو اللَّبِنَة اللاَّفتة في الكيان المنظوم هو: العامل المشترك باعتبار المتن الذهني عند الشعراء الثلاثة لا باعتبار المتن الجمالي أو المتن الذي يعني إمكان المجاز.، وعليه فمفردة «الفجر» عامل مشترك يُشِعُّ في كل لحظةٍ مجازيَّةٍ آلت إلى كيان نظمها المخُصوص، والسؤال الأكثر إلحاحاً الآن: ما وهجها الجمالي أو المجازي؟ وكيف تتفاوت درجة نظمها في السُّلَّمِ الجمالي؟؟..، الآن: «وَسَاقَ الثُّريا في ملاءته الفَجْرُ».. حيِّزٌ ذهني جمالي ولحظة مجازيَّة «فكاد الفجر تشربُه المطايا».. حيِّزٌ ذهني جمالي ولحظة مجازيَّة «عن الفجر سرباله».. حيِّز ذهني جمالي ولحظة مجازيَّة «وتجرح يا شعر في الفجر ماءً وزهرا».. حيِّزٌ ذهني جمالي ولحظة مجازيَّة وفي كل حيِّز ذهني جمالي وفي كل لحظة مجازيَّة حالة تواشج بين إمكان اللغة وإمكان العقل، هي التي تعطي كيان النظم فرادته.، وسأفرد للحديث عن هذه المسألة حديثاً مستقلاًّ، إن شاء الله.