لقد تطرق شاعرنا الكبير ابو الطيب المتنبي في شعره الى جميع المراحل التي يمر بها الانسان في حياته من يوم يكون جنينا في رحم أمه الى ان يصل إلى ارذل العمر. بعد عملية الجماع بين الرجل والمرأة، يتحد الحيوان المنوي، الحيمن القادم من الرجل مع البويضة المفرزة من مبيض المرأة بقدرة الخالق، يطلق على هذا الاتحاد الإخصاب وينتج بعد هذه العملية تكون خلية مفردة يطلق عليها البويضة المخصبة، والتي يحدث لها بعد ذلك انقسامات متعددة مصحوبة بتغيرات مختلفة مهمة ليتكون ما يسمى بالجنين. قال ابو الطيب المتنبي في قصيدة يرثي بها أبا الهيجاء عبدالله بن سيف الدولة: هَلِ الوَلَدُ المحْبُوبُ إلاَّ تَعِلّة وَهَل خَلْوَةُ الحَسْناءِ إلاّ أذى البَعْلِ لقد أشار شاعرنا الفذ أبو الطيب في بيته هذا بصورة مباشرة إلى بداية الحمل، وهي عملية تحدث بعد عملية الجماع بين الرجل والمرأة بحيث يتم الإخصاب بين الحيوان المنوي والبويضة بقدرة الله، ويبدأ نمو الجنين في رحم الأم.. والرحم عبارة عن عضو عضلي مجوف يقع في أسفل بطن الام. ويستمر نمو الجنين داخل الرحم لمدة تسعة أشهر في أغلب الحالات، وفي البداية يكون حجم البويضة المخصبة لا يتجاوز حجم حبة الرمل، ومع هذا فهي تحتوي الصفات الكاملة لنمو وتطور إنسان المستقبل. إضافة لذلك فالبويضة المخصبة تحتوي على جميع التراكيب الوراثية التي تمثل ب 46 من التراكيب الصغيرة والتي يسميها العلماء بالصبغيات او الكروموسومات حاملات الصفات الوراثية والتي نصفها جاء عن طريق بويضة المرأة، والنصف الآخر عن طريق الحيوان المنوي للرجل. وعلى هذا الأساس فإن الصبغيات تحمل جميع الصفات الوراثية التي يرثها الجنين عن والديه. ويكون الجنين أثناء فترة وجوده في الرحم مرتبطا بجدار الرحم في منطقة تسمى المشيمة بواسطة حبل شبيه بالقناة يسمى بالحبل السري وتقوم المشيمة بتزويد الجنين بكل ما يحتاجه ليعيش وينمو بقدرة الخالق حيث تقوم المشيمة بامتصاص المواد الغذائية والأوكسجين من دم الأم لتنقل الى الجنين عبر الحبل السري، والذي يقوم بنفس الوقت بنقل ثاني اكسيد الكربون والفضلات الاخرى من جسم الجنين الى تيار دم الأم، وتقوم المشيمة بهذا العمل الحيوي حتى تتم ولادة الجنين. وقال المتنبي أيضا في قصيدة يمدح بها القاضي أبا الفضل أحمد بن عبدالله الانطاكي: 1 لَوْ بانَ بالكرَم الجنينُ بيانَهُ لدَرَت به ذكرُ أمْ أنْثى الحامِلُ وقال الشاعر أيضا في قصيدة يمدح بها سيف الدولة لما ظفر ببني كلاب: 2 وأُسْقِطتِ الأجِنَّةُ في الولايا وأُجْهِضَتِ الحوائِلُ والسِّقابُ لقد أشار أبو الطيب إلى الأجنة، وقد ورد في لسان العرب لابن منظور: جن الشيء يجنه جناً: ستره. ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه. لقد وضح في بيته الأول أن الجنين لا يمكن معرفة جنسه وهو في بطن أمه، وهذه حقيقة معروفة، ولم تنتف إلا في السنوات الأخيرة من عصرنا الحالي نظرا للتقدم الهائل في وسائل التقنية في هذا المجال وهذه لا تنفي ما قاله الشاعر لأنه قال ما قال قبل ألف عام ونيف من زمننا الحاضر.. وتطرق أبو الطيب في بيته الآخر إلى سقوط الأجنة وإجهاضها قبل تمام حملها وولادتها. وقد اشار الى سبب معقول لإجهاض الأعرابيات لحملهن، فالأعراب كانوا مطاردين وهاربين على ظهور إبلهم، وهنا نتبين ان هناك سبباً لذلك، فهناك حالة خوف من ان يلحق بهم سيف الدولة، وهناك سبب آخر وهو شدة عدو الإبل مما أحدث ارتجاجات متنوعة لبطون الأعرابيات الحوامل، وقد وضح ذلك لان النوق أسقطت أجنتها هي الأخرى. وقال الشاعر أيضاً في قصيدة يمدح بها أحمد بن عبدالله الانطاكي: 1 لوْ طابَ مَوْلِدُ كُلّ حيّ مِثلَهُ وَلدَ النِّساءُ ومالهُنَّ قَوَابلُ وقال أيضا في قصيدة يرثي بها عبدالله بن سيف الدولة: 2 بِمَوْلودِهِمْ صَمْتُ اللِّسانِ كَغَيْرِهِ ولكنَّ في أعْطافِهِ مَنِطقَ الفَضْلِ لقد أشار إلى ولادة الجنين بعد اكتمال نموه في رحم أمه. وقد أبدع شاعرنا في بيته الثاني حيث إنه بين ان المولود ساعة مولده يفتقد خاصية النطق، لأنه من المعروف علميا ان الجنين يولد وهو غير مكتمل في أمور عديدة وخصوصا تلك التي لها علاقة بالعقل، لأن مخ الإنسان لا يزال في مرحلة النمو ويحتاج الى وقت حتى يقدر الإنسان بأن يفكر ويتعلم ويتكلم. وقال أبو الطيب ايضا في قصيدة يهجو بها إسحاق بن كيغلغ: 1 لَوْلا اللِّئامُ وشيءٌ مِنْ مُشابهةٍ لكانَ الأمَ طِفْلٍ لُفَّ في خِرَقِ وقال أيضا في قصيدة يمدح بها علي بن ابراهيم التنوخي: 2 بَعِيدُ الصّيتِ مُنبَثُّ السَّرَايا يُشَيّبُ ذكرُهُ الطّفْلَ الرّضيعا لقد تطرق إلى مرحلة بداية الطفولة عند الإنسان، والتي تبدأ من ولادة الجنين وتستمر لفترة معينة من العمر وقد أشار الشاعر في بيته الأول إلى لف الطفل منذ ولادته لفترة معينة حتى يصلب عوده، وهي فترة يطلق عليها فترة المهد أما في بيته الآخر فقد أشار إلى رضاعة الطفل ونحن كما نعرف أن فترة الرضاعة تمتد إلى حولين كاملين بعد الولادة. ويقول لنا العلم ان الإنسان يسمى طفلا بعد الولادة مباشرة حتى يصل عمره الى ثمانية عشر شهرا، وعند الولادة لا يستطيع الطفل فعل أي شيء، فهو لا يقدر على الجلوس أو التحرك من مكان لآخر، او ان يأكل أو يتكلم، ولكنه يمتلك خاصية الرضع من ثدي أمه. والبكاء هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عما يحس به من جوع أو ألم. ويتعلم الطفل وبالعناية الدقيقة وبالتدريج فعل بعض الأشياء المعينة، وعندما يصل عمره الى حوالي ثمانية عشر شهرا فإنه يستطيع في الغالب المشي والجري بدون مساعدة ويقدر ايضا ان يأكل ويلعب ويتكلم ببعض الكلمات والجمل، وعند هذا الحد من العمر فإنه لا يعتبر طفلا ويقترب من الفطام. وقال المتنبي ايضا في قصيدة يمدح بها عبدالواحد بن العباس بن أبي الأصبع الكاتب: ألِفَ المُرُوَّةَ مُذْ نشا فكأنَّهُ سُقيَ اللِّبانَ بها صبيا مُرْضَعا وقال الشاعر أيضا في قصيدة قالها وقد وشى به قوم إلى السلطان فحبسه: وَقِيل عَدَوْتَ على العالمين بين ولادِي وبين القُعُودِ لقد حدد لنا أبو الطيب في بيته هذا مرحلتين من مراحل طفولة الإنسان، وهما مرحلة أو فترة الولادة، ومرحلة القعود أو الجلوس وهي فترة تتبع فترة الولادة بعدة أشهر.