احتفظت ذاكرة التاريخ من خلال كتب الأدب العربي بأنين العاشقين وآهات المتيمين وان كانت دواوين الشعراء تزخر بأعزب وأصدق تعبير بما يجوش في الصدور فقد روى الرواة آلام الشاعرات في السطور فها هو الأصمعي يتحدث عن «لطيفة الحمدانية» فيقول: مررت وأنا وصاحب لي بجارية عند قبر، لم أر أحسن ولا أجمل منها وعليها ثياب نظيفة، وحلي كثيرة وهي تبكي على القبر فلم نزل نتعجب من جمالها وزينتها وحزنها فقلت يا هذه! علام هذا الحزن الشديد فبكت ثم أنشأت تقول: فلا تسألاني فيم حزني فإنني رهينة هذا القبر يا فتياني وان تسألاني عن هواي فإنه مقيم بحوضي ايها الرجلان وإني لاستحييه والترب بيننا كما كنت استحييه وهو يراني أهابك اجلالاً وان كنت في الثرى وأكره حقاً ان يسؤك مكاني ويستطرد فيقول.. فعجبنا منها ومن ظرفها وجمالها واستحيينا منها، فتقدمنا قليلاً ثم جلسنا نسمع ما تقول ولا ترانا، ولا تعلم بنا فسمعناها تقول: يا صاحب القبر يا من كان يؤنسني وكان يكثر في الدنيا مواساتي قد زرت قبرك في حليي وفي حللي كأنني لست من أهل المصيبات لمَّا علمتك تهوى ان تراني في حلي وتهواه من ترجيع أصواتي أردت آتيك فيما كنت أعرفه ان قد تسر به من بعض هيئاتي فمن رآني رأى عبرى مولهة عجيبة الزّي تبكي بين أموات وها هي عفراء تستأذن زوجها في الخروج في نسوة لما بلغها موت محبوبها عروة بن حزام تقول: ألا أيها الركب المُحِلُّونَ ويحكم بحق نعيتم عروة بن حزام فلا نفع الفتيان بعدك لذة ولا رجعوا من غيبة بسلام وقال الرواة انها مازالت تردد هذه حتى ماتت فلما بلغ الخبر معاوية قال: لو علمت بخبر هذين الشريفين لجمعت بينهما. وتلك ليلى الأخيلية ترسم لوحة فنية وتبدع في تكوينها وتصويرها بمشاعر صادقة تقول في محبوبها توبة بن الحمير بعد ان قتله بنو عوف في إحدى الغارات: كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ بنجد ولم يهبط مع المتغور ولم يرد الماء السدام إذا بدا سنا الصبح في بادي الجواشن مدبر قتلتم فتى لم يسقط الرعب رمحه إذا الخيل جالت في قنا متكسرِ وفي حديث جرى بين معاوية وبينها عن توبة حيث قال معاوية: ويحك يا ليلى يزعم الناس ان توبة كان عاهراً خاربا فقالت ساعتها مرتجلة وراثية في آن واحد: معاذ الهي قد كان والله توبة جواداً على العلات جمّاً نوافله اغر خفاجيا يرى البخل سبة تحالف كفاه الندى وانامله عفيفاً بعيد الهم صلباً قناته جميلاً محياه قيلاً غوائله وتذكر ليلى حياءه وحشمته وهذا أجمل ما قيل في العشق العذري: فتى كان احيا من فتاة حييّة واشجع من ليث بخفان خادرِ وكنت إذا مولاه خاف ظلامه اتاك فلم ينفع سواك بناصر وتأخذ ليلى على نفسها عهداً ببكائه مدى الحياة فتقول: فأقسمت ابكي بعد توبة هالكاً واحفل من نالت صروف المقادر على ابن همام ولا ابن مطرف لتبكي البواكي او لبشر بن عامر وتموت ليلى الأخيلية غير بعيد عن قبر توبة حيث هي واقفة عليه تسلم وتقول ما باله لا تسلم علي وهو القائل: ولو ان ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة اوزقا اليها صدى من جانب القبر صائح وما أن أتمت كلامها حتى ثارت من جانب القبر بومة كامنة اخافها الهودج فنفر الجمل وسقطت ليلى وماتت من ساعتها فدفنوها الى جانبه. ألا رحم الله اموات الهوى ذلك العشق العفيف السامي عن البذاءة المتعفف عن اراذل الأمور. *عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية