من الواضح ان الحملة العسكرية الاسرائيلية المجنونة على الشعب الفلسطيني لم تستثن احدا من الدمار والموت والاستهداف، فقد تصاعدت في الآونة الاخيرة الاعتداءات الاسرائيلية المبرمجة على الاطقم الطبية والاسعافية الفلسطينية اثناء عمليات اخلاء الجرحى وتقلهم الى المستشفيات. ففي الاسبوع الماضي فقط وبحسب احصائيات الصليب الاحمر قتل 6 من العاملين في الحقل الصحي في الاراضي المحتلة اثناء نقلهم للجرحى او وصولهم الى مكان المصابين اضافة الى تعرض العديد منهم لاصابات مختلفة. ويقول الدكتور مصطفى البرغوثي رئيس لجان الاغاثة الطبية ان الاحتلال يتعمد تعطيل عمل الاطقم الطبية والاسعافية في الاراضي المحتلة من خلال استهداف موظفيها ومتطوعيها بالقتل والاعتداء عليهم بصورة لم يسبق لها مثيل في العالم. وتشير احصائيات لمؤسسات صحية فلسطينية ودولية عن حجم الاعتداءات الاسرائيلية التي تتعرض لها الطواقم الطبية منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية قبل سبعة عشر شهرا، حيث سجل 165 اعتداء على سيارات الاسعاف والمؤسسات الصحية، ادى الى استشهاد 12 طبيبا ومسعفا وجرح 170 آخرين اثناء عملهم الانساني. وتكشف الاحداث المتتابعة في الاراضي الفلسطينية عن الوسائل الجديدة التي بدأت سلطات الاحتلال اتباعها خلال الايام الاخيرة ومن ابرزها ترك الجرحى الفلسطينيين ينزفون على الارض حتى الموت دون تمكين او السماح لسيارات الاسعاف من الوصول اليهم والقيام بواجبها الانساني تماما كما حصل في مخيمات نابلس وجنين وطولكرم وبيت لحم ومن قبلها في بيت ريما وقطاع غزة. كما طالت الاعتداءات الاسرائيلية المشافي الفلسطينية التي دمر بعضها كما جرى للمستشفى العسكري في غزة وتعرض مبنى الادارة العامة لجمعية الهلال الاحمر في رام الله للقصف بالاسلحة الرشاشة والثقيلة. الدكتور يونس الخطيب مدير جمعية الهلال الاحمر قال للجزيرة ان استهداف القوات الاسرائيلية للاطقم الطبية وسيارات الاسعاف بشكل عام بما فيها سيارات الاممالمتحدة يدلل على ان الجيش يسعى الى وقف وشل كافة العمليات الانسانية وانقاذ الجرحى والمصابين وتركهم ينزفون حتى الموت لتسجيل اكبر عدد من القتلى. ويبين الخطيب ان قوات الاحتلال أعاقت (350) سيارة إسعاف من الحركة على الحواجز المنتشرة على طرقات الضفة الغربية وقطاع غزة، اضافة الى اعطاب (73) سيارة اسعاف من اصل (100) تملكها الجمعية في فلسطينالمحتلة. رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الاحمر رنيه كوزيرنيل اعتبر في مؤتمر صحفي عقده في رام الله ان اسرائيل خدعت الصليب الاحمر اكثر من مرة. وقال كوزيرنيل انه في الحالتين اللتين تم فيهما اغتيال الدكتور خليل سليمان في جنين واستشهاد ضابط الاسعاف ابراهيم اسعد في طولكرم كان هناك ضوء اخضر من الجيش الاسرائيلي بالتنسيق المشترك مع الصليب الاحمر بحيث يسمح لسيارات الاسعاف تلك بدخول المنطقة ونقل الجرحى. ويتابع المسؤول الا انه وفي كلتا الحالتين كانت تتفاجأ سيارات الاسعاف حين دخولها المنطقة بكمين للجيش الاسرائيلي ويطلق النار عليها!! وأعرب المسؤول في الصليب الاحمر عن غضبه تجاه عمليات القتل هذه وطلب من القوات الاسرائيلية احترام العاملين في الحقل الطبي طبقا للقانون الانساني الدولي. ومن الجرائم الاسرائيلية بحق الاطقم الطبية الفلسطينية ما تعرض له ضابط الاسعاف كمال سالم (30 عاما) في مدينة طولكرم فجر يوم الخميس الماضي. فقد كان ضابط الاسعاف كمال بداخل سيارة اسعاف تابعة لمستشفى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ويحمل علم الوكالة بارزا على سيارته ومتوجها الى وسط مدينة طولكرم لانقاذ بعض الجرحى الذين اصيبوا بالاشتباكات المسلحة غداة اجتياح القوات الاسرائيلية للمدينة. الا ان سلطات الاحتلال اطلقت النيران عليه فأردته قتيلا. وفي مساء نفس اليوم، استشهد ضابط اسعاف آخر كان يحاول الوصول بسيارة اسعاف تابعة للهلال الاحمر الفلسطينية الى بعض الجرحى. وعلى الرغم من إجراء تنسيق مسبق قام به الهلال الاحمر مع الارتباط لخروج سيارتين تابعتين للجمعية وما ان خرجتا على الطريق حتى اعترضتهما دبابة اسرائيلية واطلقت النار عليهما من مسافة قريبة فقتل ابراهيم محمد اسعد وهو متزوج واب لولد وبنت واصيب ثلاثة آخرين بجروح مختلفة. وكان ابرز تلك الفظائع ما تعرض له الدكتور خليل سليمان مدير مركز الاسعاف والطوارىء في مدينة جنين شمال الضفة الغربية والذي استشهد يوم الاثنين الماضي بقذيفة دبابة خلال توجهه برفقة ثلاث من ضباط الاسعاف الى مخيم جنين الذي اجتاحته قوات الاحتلال لانقاذ طفلة جريحة. ويقول الفلسطينيون ان الدكتور سليمان اتصل مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر للتنسيق معها والتي بدورها اتصلت بالجهات الاسرائيلية للسماح لهم بالتوجه الى مكان الطفلة. ميرفت بهجت (28 عاما) مهندسة فلسطينية شاهدة عيان على الجريمة التي راح ضحيتها سليمان تقول (كانت سيارة اسعاف تتقدم ببطء ورأيت الدكتور خليل يجلس الى جانب السائق وهو يؤشر لجنود الاحتلال الذين كانوا يحتلون منزلا مجاورا، وما هي إلا لحظات حتى فتح الجنود النار باتجاههم. هربت المهندسة ميرفت التي كانت تتابع المشهد من شباك منزلها المجاور الى داخل البيت خوفا من شظايا الرصاص، لتعود بعد ثوان وتشاهد منظرا سيبقى عالقا في ذاكرتها ابد الحياة. تتابع الشاهدة عدت الى الشباك بعد توقف اطلاق النار ولمحت جسما متوهجا مثل الجمر ينطلق من جهة الجنود صوب سيارة الاسعاف. وعندما وقع نظري على الدكتور خليل رأيت يديه وبطنه يحترق وهو يصرخ بأعلى صوته على الجنود (اسعاف.. اسعاف) ولمحت ثلاثة اشخاص يقفزون من السيارة والنيران تشتعل بأجسادهم. وتضيف المهندسة بدا يتلاشى صوت الدكتور خليل شيئا فشيئا، وحاول احد الشبان الوصول اليه الا ان الجندي صوب بندقيته نحو رأسه طالبا منه العودة وإلا سيطلق النار. وامام هذا المشهد المأساوي ركضت الشاهدة مسرعة وهي بحالة هستيرية نحو الهاتف واتصلت بقسم العمليات في الجمعية لتخبرهم ان الدكتور خليل يحترق. وبعد دقائق معدودة وصلت سيارة اسعاف ثانية حاولت الاقتراب لانقاذ الدكتور خليل لكن الجنود اطلقوا النار عليها ولمدة ساعة كانت النيران تشتعل بالسيارة وبجسد الدكتور حتى همدت النيران وحدها وانتشلت جثة الدكتور خليل متفحمة. جثة برأس محترق وبدون ساقين!!