كشفت تداعيات احداث الحادي عشر من سبتمبر العديد من التناقضات في العلاقات الدولية وابرزت معها اهمية اقامة حوار حقيقي بين العرب وامريكا، وبين العرب والغرب عموماً. وخاصة بعد الاتهامات التي اساءت للاسلام والمسلمين. وفي الندوة التي نظمتها جمعية خريجي كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة واستضافت فيها الدكتور احمد يوسف عميد معهد البحوث العربية بجامعة الدول العربية اكدت على اهمية قيام هذا الحوار لتلاشي الازمات الواقعة والازمات المكتومة. وقال د. احمد ان الاحداث افرزت تساؤلاً مهماً عن مدى مواصلة الادارة الامريكية لسياساتها التقليدية السابقة في مرحلة ما بعد الهجمات، ام انها ستبدل رؤاها، وافكارها، وادواتها، خصوصاً في اعقاب السؤال الملح الذي بدأت تطرحه بعض الاصوات الامريكية عن اسباب كراهية الناس لهم، ومناداتها بمراجعة السياسات حيث يرى ان العالم لم ولن يشهد تحولاً جذرياً في الموقف الامريكي من الشرق الاوسط لان امريكا كانت وما تزال تعتبر نفسها القوة الاولى في العالم، والقائد الاوحد لدفة الحكم والادارة فيه. وحول العلاقة العربية الامريكية اوضح د. يوسف ان «الازمات المكتومة» ما بين العرب والامريكان ليست بالجديد المستحدث، ولاسيما في ظل التباين الذي تشهده هذه العلاقات من دولة عربية الى اخرى، مبيناً ان احداث سبتمبر قد فاقمت من هذه الازمات ودفعت بالمزيد منها الى السطح، فأخذت المشكلات تتوالى في اعقابها بدءاً بما لحق بالمواطنين العرب في امريكا من اعتقالات، وتعذيب، وتشريد وانتهاك لحقوقهم كان له اثره السيئ على مسار علاقات دولهم مع امريكا. اضافة الى رفض الدول العربية توجيه ضربة عسكرية لاية دولة عربية اخرى وكذلك الاختلاف والتباين حول ما اسماه بوش دول «محور الشر» وزاد د. يوسف ان التباين في الفهم العربي والامريكي لمصطلح «ارهاب» يعضد هذا الاختلاف حول مكافحته بين العرب وامريكا حيث يرى العرب وجوب التفريق ما بين المقاومة المشروعة، والمتمثلة في حركات التحرير ومفهوم الارهاب على اطلاقه في حين ترى الادارة الامريكية ان حركات التحرير هذه هي احدى محركات الارهاب مما يوجب استئصالها. فلسطين بعد سبتمبر وفي سياق تطرقه للقضية الفلسطينية اكد د. يوسف ان الحديث عن ايقاف الانتفاضة دون طرح بدائل مقنعة كتصريح اسرائيلي ترعاه امريكا يؤكد تمسك شارون بخيار التفاوض مثلاً يعد ضرباً من الوهم. مبيناً ان ضعف سيطرة «عرفات» عى مقاليد السلطة في بلاده وفشله في ارغام حركات التحرير على ايقاف الانتفاضة يعود اصلاً الى عدم مقدرته على محاورتها في وجود الاتهام الامريكي لها بأنها حركات ارهابية، وكذلك في ظل التخريب الذي الحقته ومازالت تلحقه اسرائيل بالبنى التحتية في فلسطين. موضحاً ان تصالح عرفات مع حركات التحرير لا يتأتى الا من خلال اشراكه لها في صنع القرار الفلسطيني. وحول مستقبل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في ظل الاحداث التي ارتفعت هنا وهناك تنادي بضرورة وقف المقاومة والعودة الى اسلوب التفاوض اكد د. يوسف على ضرورة استبعاد منطق التهديد والتخويف الذي ظلت تنتهجه اسرائيل على اعتبار ان الكفتين متساوتين الآن.حيث ان ما يلحق بالفلسطينيين الان وهو العنف في اقصى درجاته يتواءم والمأزق الذي وجد شارون وحكومته انفسهم فيه بعد اتضاح فشلهم في حل القضية مشيراً الى تعهد شارون ابان حملات انتخابه بحل القضية في غضون مائة يوم من تسلمه السلطة في اسرائيل مدللاً على ذلك بنتائج آخر استطلاعات الرأي في اوساط المجتمع الاسرائيلي والتي كشفت عن ان شعبية شارون تشهد تناقصاً واضحاً.. وكذلك زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي لمصر، واتجاه شارون للجلوس مع عدد من القيادات الفلسطينية، مبيناً ان كل هذه الدلائل توضح مدى الشعور بالمأزق لدى القادة في اسرائيل، نتيجة لاتجاه المقاومة الشعبية الفلسطينية الى العمليات المسلحة، الشيء الذي زاد من تكلفة الاحتلال، وضاعف من خسائر العدو الاسرائيلي. مستقبل الحوار الأمريكي العربي واكد د. يوسف على ضرورة وجود حوار عربي عربي يتم فيه توحيد الرؤى العربية حيال الارهاب، ليكون هذا مدخلاً للحوار العربي الامريكي، والذي لن ينجح مالم يطرح العرب حججاً سليمة لا يمكن توافرها في ظل التنافر الحالي في وجهات النظر فيما بينهم، مشيراً الى ان اتفاق العرب الحالي على رفض المواجهة العسكرية للارهاب يمكن ان يكون نواة لوفاق عربي كامل.وحول الموقف العربي من القضية الفلسطينية اكد د. يوسف على اهمية وجود خطاب سياسي واعلامي عربي ينصف الحركات التحريرية في فلسطين، ويسمي الامور بمسمياتها الحقيقية، معرباً عن امله في ان يقدم مؤتمر القمة العربية القادم رؤية عربية موحدة تجاه القضية الفلسطينية، مؤكداً ان خروج قمة بيروت بنتائج سيئة سينعكس سلباً على الموقف العربي، ويزيد الامور تعقيداً.