يتحدث المعنيُّون بفن المسرح والمتابعُون له في الوطن العربي عن ظاهرة «الخروج عن النص المسرحي».. وهم حول ذلك منقسمون في الرأي: * فمنهم من يرى ان الظاهرة صحيّة لا ضرر منها ولا ضير، بل يصر أهل هذا الرأي على انها ضرورة طمعاً في نص مسرحي أبلغ أثراً، وأثرى إبداعاً!. *** * وهناك آخرون يتسامحون أحياناً مع الظاهرة ولكن في شيء من حذر، طالما التزمت حداً معقولاً من الكياسة الأدبية، والذكاء السياسي، والفطنة الاجتماعية، واعتمدت مداخلاتها على الايحاء الذكي لعقل المشاهد تلميحاً له لا تصريحاً!. *** * وهناك فريق ثالث يرى في الظاهرة عبثاً، الضرر فيه أبلغ من الضرورة، ويتساءلون في سُخرية: إذا كان لابد من الخروج عن النص، فما قيمة النص نفسه؟! ولِمَ لا تتحول المسرحية ذاتها إلى ملحمة، تُسيِّرها عشوائية الكلام، لا سطوة العقل، وموضوعية الموقف، وحكمة الهدف؟! *** ولقد قرأتُ قبل بضع سنين تحقيقاً صحفياً ضافياً حول هذا الموضوع نشرته مجلة «المجلة»، واستعدتُ في ذهني بعد تلاوته أمثلة من فن «الخروج على النص المسرحي» لبعض رموز المسرح العربي وفي مقدمتهم «الزعيم» عادل إمام، وانتهيت إلى موقف خلاصته التالي: 1 يعتمد «الخروج عن النص» على فاعله، فإن كان عاقلاً ذا ثقافة وخلق أصيلين، فلا ضرر منه، ولا خوف، وإن كان غير ذلك، فقوله عورة في النطق، واسفاف في المعنى!. *** 2 وتعميماً أوسع لمدلول هذه الظاهرة استأذنُ ذكاء القارئ الكريم ب«الخروج» على سياق هذا الحديث، فأزعم ان فكرة «الخروج عن النص» توحي لي سلباً بمعضلة أكبر نشهدها في تعاملنا اليومي على مسرح الحياة.. والأحياء!. كيف؟! * البعض منا يخرج عن «النص الأخلاقي والمهني» الذي يكيف علاقاته الأسرية أو العملية.. والبعض منا يخالفُ سراً وجهراً بنود «العقد» الديني والأخلاقي والحضاري الذي تستند إليه منظومة العلاقات الإنسانية، بدءاً بعقوق الوالدين أو أحدهما.. مروراً بتجاوز إشارة المرور.. وانتهاء بممارسة الغش الظاهر منه أو المستتر، في التعامل مع المعتقد والحياة!. *** * وإذاً، فإن خروج الفنان عن النص في مظهره السلبي هو بمعنى آخر، تجسيد حي للظاهرة.. على المسرح الكبير للحياة! ونحن مطالبون باحترام النصوص التي تقنن حياتنا.. قبل ان نطالب الفنان.. باحترام النص المكتوب له!. *** * وأزعم في الختام.. ان الفنان الذي يخالف النص، تصريحاً أو تلميحاً، ليس أكثر أذى، ولا أعظم فتنة.. ممن يخرج عن النص المقنن لأدب الحياة.. وكرامة الأحياء!!.