القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    النفط يقفز 3%    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    قوة نمو الوظائف الأمريكية تزيد الشكوك إزاء خفض الفائدة مجددا    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    البيت الأبيض: بايدن سيوجّه خطابا وداعيا إلى الأمة الأربعاء    الإعاقة.. في عيون الوطن    ابعد عن الشر وغني له    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    فريق جامعة الملك عبدالعزيز يتوّج بلقب بطولة كرة السلة للجامعات    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    مهاجم الأهلي: قدمنا مباراة كبيرة واستحقينا الفوز على الشباب    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    ضبط يمني في مكة لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    «سلمان للإغاثة» يوزّع 2.910 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في حلب    لاعب الشباب يغيب عن مواجهة الأهلي لأسباب عائلية    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    مجموعة stc تمكّن المكفوفين من عيش أجواء كرة القدم خلال بطولة كأس السوبر الإسباني    ملتقى الشعر السادس بجازان يختتم فعالياته ب 3 أمسيات شعرية    «حرس الحدود» بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    الشيخ طلال خواجي يحتفل بزواج ابن أخيه النقيب عز    عبرت عن صدمتها.. حرائق كاليفورنيا تحطم قلب باريس هيلتون    أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    مزايا جديدة للمستوردين والمصدرين في "المشغل الاقتصادي السعودي المعتمد"    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    "الزكاة والضريبة والجمارك" تُحبط محاولتي تهريب أكثر من 6 كيلوجرام من "الشبو"    لإنهاء حرب أوكرانيا.. ترمب يكشف عن لقاء قريب مع بوتين    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «عباقرة التوحد»..    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    ماذا بعد دورة الخليج؟    الحمار في السياسة والرياضة؟!    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    كُن مرشدَ نفسك    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    المقدس البشري    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد بن سعد الشويعر
لماذا حرّم لحم الخنزير؟
نشر في الجزيرة يوم 01 - 02 - 2002

أحلّ الله الطيّبات وحرّم الخبائث، وأباح سبحانه لبني آدم ما فيه نفع وفائدة لهم، وحرّم عليهم ما فيه ضرر على النفس البشريّة، سواء كان ذلك في صحة الفرد، أو في معاشه، أو فيما يصلح به المجتمع، سواء ظهرت لنا الحكمة من ذلك، أو لم تظهر.
كما يأمر الله سبحانه عباده بطاعته، وطاعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واتّباع ما يشرّع للأمة، لأن طاعته في طاعة الله فقال عزّ من قائل: { ومّا آتّاكٍمٍ پرَّسٍولٍ فّخٍذٍوهٍ وّمّا نّهّاكٍمً عّنًهٍ فّانتّهٍوا} [الحشر: 7]
ولذا فإن الإنسان عندما يؤمر بشيء، عليه أمر الله، أو أمر رسوله، فإن عليه أن يمتثل، لأن في هذا الأمر مصلحة له، سواء أدرك سرّها، أو لم يدركه، وإذا نهي عن شيء، فإنما هو لشرّ يصرفه الله عنه، فعليه أن يمتثل..
والإنسان المسلم في هذا العصر الذي تقارب فيه البشر، ومدّت المواصلات الجسور بين أطراف الدنيا، وقرب البعيد، وارتبطت بذلك شعوب الدنيا، في أطراف الأرض، على مختلف الملل والنحل، فوجد المسلم نفسه أمام شبهات، يراد منها النيل دينه، والتشكيك في سلامة تعاليم الإسلام، حيث بدأ يتزايد على المسلمين في ديار الغرب والشرق، طرح شبهات، وتجسيم مشكلات فهي شبه عن قصد أو غير قصد، ويمرّ بكثير من المسلمين مواقف يمتحن فيها المسلم، بدينه وعقيدته، في محكّ يبرهن فيه، مدى ثباته على مبادئه وتعاليم دينه: تمسكا وعملاً، أو زحزحته ليميل مع أعداء الله وأعداء دينه الحقّ.
ولذا فإن من مبدأ الوقاية للإنسان في أمور دينه، وهي أهم وأولى من الوقاية في بدنه من اللقاحات، وأخذ الحيطة الطبيّة، ذلك أن المجتمع الإسلامي، يجب أن يدرك أهمية التّحصين الوقائي في الشبهات الدينيّة التي تطرح عليه، والتّسلّح ضد ما يوجه نحوه، من أمور يراد منها زعزعة الإيمان من قلبه، وتشكيكه في عقيدته، وشريعة الله التي شرع لعباده وهي الإسلام الذي قال الله فيه: {إنَّ پدٌَينّ عٌندّ پلَّهٌ الإسًلامٍ} [آل عمران: 19]
وهذا التحصين الذي يجب أن يتسلّح به المسلم، ما هو إلاّ سلاح يدافع به عن أعظم وأكبر جوهرة يعتز بها الآدميّ المسلم، وهي جوهرة العقيدة، والإيمان الصادق الذي مقرّه القلب.
هذا الدعاء الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
فبالحرص على صلاح القلب، يصلح الجسد كله عقدياً، وسلامته في العقيدة، وبقوة الإيمان، أولى بالاهتمام من وقايته صحيا، أو المحافظة عليه باللّقاح ضد الأمراض المتعدّدة، التي ابتكر الطبُّ الحديث أنواعها وآثارها، بعد أن وهب الله الأطباء معرفة بعض أسرار هذا الجسم البشريّ، وما يؤثر فيه، ومع تلك المعرفة، التي توسّع فيها الأطباء والمختصون، في تتبع خفايا جسم ابن آدم، والبحث عن أسراره العديدة، نراهم يغفلون عن عمق تعاليم الإسلام، في التحريم لبعض الأطعمة، وما وراء هذا التحريم من مضار صحيّة، وخفايا نفسية، وآثار بعيد غورها..
لكننا نرى بعضاً منهم يسعون في محاولة لقلب الحقائق في أسلوب جدليّ، وطرح شبهات يقصدون من ورائها بلبلة الأفكار، حول تعاليم الإسلام، ونظرة هذا الدين البعيدة، لأنّ الله جعله الدين الخالد، إلى يوم القيامة، وفيه ما يصلح النفوس، وتستقيم به الحياة، من تحليل وتحريم، وتنظيم وتأديب.
وذلك ليزيّنوا باطلهم، ويثبّتوا ما أفسدوه في دينهم الحقّ، الذي بلغتهم به رسالات الله على ألسنة أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام.
ولنأخذ مثالاً لذلك لحم الخنزير الذي جاء تحريمه في القرآن الكريم في أربع آيات، تنبىء عن إثمه وخبثه، وهو وإن كان محرّماً في الشريعة الإسلامية، فإنه محرّم على اليهود في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام، ومحرّم على النّصارى في شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام.
لكنّ النصارى أباحوه لأنفسهم، في مؤتمرهم الكهنوتيّ، الذي عقدوه، في عام 382 م تقريباً في نيفيا، مع ما أباحوه من أمور أرادوا بها، عدم التّبعيّة لليهود، فانحرف بهم جهلهم إلى الضلال، وذلك بوضع الشيء في غير مكانه.. فضلّوا بهذا الجهل عن الطريق، كما جاء في سورة الفاتحة، وحديث يفسرها في صحيح مسلم.
وكانت من الشّبه التي تطرح على الشباب الإسلامي في كل بلد يبيح أبناؤها لأنفسهم أكل لحم الخنزير، والإدّهان بدهنه، في المأكولات المختلفة.. بأن العلم الحديث حلَّل لحم الخنزير علمياً، وعرف أن فيه دودة يمكن القضاء عليها، بدرجة الحرارة العالية عن طريق الطبخ، وبدرجة البرودة الهابطة عن طريق التثليج، وغاب عن أولئك، أو تغاضوا عن: أن العلم الحديث أيضا، توصّل إلى أن هناك أنواعاً من الجراثيم، تتكيّس فلا تميتها الحرارة الزائدة بدرجة الغليان، ولا تقضي عليها درجة البرودة المثلجة.
بل إن هناك نوعيات من الميكروبات تتولّد بسرعة، وتجد لها تربة خصبة في لحم الخنزير بخصائصه التي تعين على التكاثر، وسرعة الانتشار..
هذا إذا سلمنا معهم بأن السرّ في التحريم، هذه الدودة لكن السر يكمن في أمور أخرى أعمق، هي من حكمة الله في سرّ التحريم: لخبث هذا الحيوان ولدناءته وسوئه من بين الحيوانات كلها.
ومهما يكن من أمر، فإن الشباب المسلم، الذي يزور تلك البلاد، سواء كانت بعيدة أو قريبة، للدراسة أو العمل، وللتجارة أو العلاج، أو للسياحة وغير ذلك من المسببات.. فإن الواجب على الجميع الاستبراء للدين، والتسلح بما يعين على المحافظة عليه، فهو الحجاب المانع من الوقوع في المزالق، حيث المحافظة على تعاليمه، والاهتمام بها تطبيقاً ومحافظة، يرفع الله بذلك نفوساً، إذا هي امتثلته وحرصت عليه، ويخفض به غيرها، متى ابتعدت عنه.
كما يتحتم على المسلم أن يجعل نصب عينيه، أن ما جاء عن الله فهو حقّ لا مراء فيه، إذ سواء وصل علم البشر إلى حكمة التحريم للحم الخنزيز، أو لم تدركه عقولهم، فإن تقرير العلم الإلهيّ. أمكن وأثبت في تقارير علوم البشر.
ذلك أن الله جلّت قدرته أبان في تحريمه للحم هذا الحيوان، أنه مطعم خبيث، وهذه علّة واحدة، تكفي في معرفة ما وراء ذلك من ضرر، لأنه سبحانه لا يحرّم إلا ما كان خبيثاً، وكل ما يؤذي البشر في أي جانب من جوانب حياتهم، في أخلاقهم ومجتمعاتهم، وفي أجسامهم وطبائعهم..
وهذه الأشياء مما يتجلىّ في الدرجة الأولى، في غالبية المحرّمات، وتأثيرها على الجسم، بالتفاعل مع أنسجة هذا الجسم.. ضرراً أوليّاً، سواء ظهر للناس ما وراء كل محرم من أذى، أو لم يعلموه، وسواء أدركوا ما ينتج عن استعماله من أذى على النفس، أو ضرر يلحق بالمجتمع، إذ من الضرر ما هو من الخفاء بحيث لا تخرج نتيجته إلا بعد زمن. أو بما يبرز أمامهم من فوائد لكل أمر مباح، فإن حكم الله هو النافذ، وعلمه تعالى بطبائع النفوس البشرية، وما يصلحها في معاشها وأحوالها.. وما يسعدها في مآلها هو الذي يجب التسليم به.. هذا هو الفيصل في كل أمر، فالله يعلم ما لا يحيط البشر بعلمه.. وهو سبحانه أرأف بهم من أنفسهم، وأرحم بهم من أقرب الناس إليهم.
وما ذلك إلاّ أنه لا توجد قضيّة في العالم، تمسّ حياة الناس، وتوفِّر السلامة والاستقامة لأجسامهم، إلا وهي موجودة في شرع الله، ومنهج دينه، بما يعالج واقع الناس، ويفتح سبل الخير لسلامة أحوالهم العاجلة والآجلة، والقضاء على أمراضهم الجسديّة، والاجتماعية، لأن الله طيّب ولا يرضى لعباده إلا ما كان طيباً. ويمقت الخبيث ولا يرضاهم لهم..
وتعاليم دين الإسلام الخالدة، فيها وقاية للفرد والجماعة، من كل ضرر نفسيّ، أو آفة اجتماعية، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم، بأنه في آخر الزمان تظهر آفات وأمراض، لم تعرف في أسلافهم، والأطباء كل يوم يكتشفون فيروساً جديداً، ومرضاً لم يسبق له مثيل، وهذا والله أعلم عقاب عاجل للبشر لأنهم استباحوا حرمات الله، وعللوا لأغراض في نفوسهم، ونموذج ذلك، ما نرى من تبريرات لإباحة لحم الخنزير ودهنه، وهو محرّم في الديانات السماوية كلها، التي ختمت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول صاحب الظلال في تحريم لحم الخنزير عندما مرّ بإحدى الآيات الكريمات بتحريمه: وأما الخنزير فيجادل فيه الآن أقوام، والخنزير بذاته منفّر للطبع النّظيف القويم، ومع هذا فقد حرّمه الله منذ ذلك الأمد الطويل، ليكشف علم الناس منذ قليل، أن في لحمه ودمه وأمعائه، دودة شديدة الخطورة «الدودة الشريطيّة وبويضاتها، المتكيّسة»، ويقول الآن قوم: إن وسائل الطهو الحديثة قد تقدّمتْ، فلم تعد هذه الديدان وبويضاتها مصدر خطر، لأن إبادتها مضمونة بالحرارة العالية التي توفرها وسائل الطهو الحديثة، وينسى هؤلاء أن علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة، ليكشف آفة واحدة فمن الذي يجزم بأن ليس هناك آفات أخرى في لحم الخنزير، لم يكشف بعد عنها؟. أفلا تستحق الشريعة التي سبقت هذا العلم البشريّ بعشرات القرون أن نثق بها، وندع كلمة الفيصل لها، ونحرّم ما حرّمتْ، ونحلّل ما حلّلتْ، وهي من لدن حكيم خبير (2:55).
وبعد وفاة المؤلف بسنوات خرج كتاب في لندن، ألّفه أحد الأطباء الغربيّين الذي تابع خلال سنوات عديدة بالبحث والتقصي، والتحليل والتجارب عن الخنزير حيّاً، ولحمه بعد ذبحه، فاتضح أمامه وفق، ما بيّن في كتابه هذا، الذي طبع بالإنجليزيّة، وترجم لعدة لغات منها العربية: أن لحم الخنزير ينتج عن تناوله ما يقرب من 23 مرضاً، منها ما يؤثر في الجهاز الهضميّ ومنها ما يندمج في الدم، ليسري في أجزاء مختلفة من الجسم، ومنها ما يؤثر على المخ، وخلايا الجسم.
كما أبان المؤلِّف: أن الخنزير فيه روح عدائية متمكّنة في طباعه، وأنه من بين الحيوانات كلها يمتاز بخصال دنيئة ورديئة لا يشاركه فيها غيره منها:
أنه يحب القاذورات، فحتى لو ربي منذ صغره، في زريبة نظيفة، وواصل القائم عليها نظافتها والعناية بها، فإنه يلجأ إلى أكل روثه أو روث من يشاركه الحظيرة، والولغ في البول، وهذا من قذارته، ودناءة نفسه، وكل هذه الأشياء تترك آثاراً في لحمه وشحمه وكثير من الحيوانات تحمل الأمراض ولا تضرّها هي.
أنه الوحيد بين الحيوانات الذي ينزو على أمّه، فلا شرف لديه ولا غيرة، ولذا يقول الباحثون: بأن الغيرة على الشرف والعفّة تسري في عروق من يستمرّ على تناول لحمه ودهنه.
أن الخنزير لديه اتجاه عدائي يشبه ما لدى الحيوانات المفترسة المحرّم أكلها من كل ذي ناب وظفر، فقد عرف عنه حالات كثيرة، يعتدي فيها على الأطفال والضعفاء والنساء من الآدميين، افتراساً وقتلاً، كلما سنحت له فرصة كما يعمل القرد، بل أكثر.
أنه من أسوأ الحيوانات منظراً، وشراهة في الأكل وسوء في خلقه، وهو سلالات مختلفة.
ونزيد مع هذا المؤلف الذي حذّر من أكل لحم الخنزير ومن شحمه، لنقول لواضعي الشبهات حول الإباحة للخنزير يقول الشاعر:
وقل لمن يدّعى في العلم معرفة
حفظت شيئاً وضاعت عنك أشياء
فهذا العلم كشف شيئاً عن سرّ من أسرار تحريم الخنزير، وما سوف يتبعه أكثر، لأن الله لم يحرِّم على عباده إلاّ الخبائث، فالخنزير لمّا حرم أصبح من الخبائث لخبثه في ذاته، وفي تصرفاته. ويكفي في خسّته ودناءته ونجاسته: أن الله جعله من أحطّ الحيوانات قدراً، وأنه سبحانه لمّا غضبت على قوم من اليهود لما عاندوا الله، وعصوا أمره جل وعلا جعلهم قردة وخنازير.. وأن عيسى ابن مريم عليه السلام، عندما ينزل في آخر الزمان: يكسر الصليب ويقتل الخنازير، لأنهم أباحوه لأنفسهم ومخالفة لما أمرهم به عليه السلام.
ومن هنا فإنه يجب على كل مسلم عندما يكون في البلاد التي تتغذىّ على الخنازير: أن يقي نفسه منها: طعاماً لأن لحم الخنزير من أرخص اللحوم عندهم، أو قديدا لأنه في تلك الديار من أوفرها، ويجعلونه أيضا في السّجق، أو شرائح تقدّم مع الأفطار.. وخاصة مع البيض.. في المطاعم والفنادق الشهيرة أو دهناً لأن شحمه من أرخص الدهون، حيث يأتي في كثير من الأطعمة تركيباً: كالخبز والكيك وبعض الحلويات، ويقلى به أنواع الأطعمة، وما حرّم أصله حرم فرعه.. حيث يجب الحذر من الأجبان المصنوعة من نفحة الخنزير، ومن السّجق الأسود، الذي يدخل في صناعته دم الخنزير، وأغلفة السّجق تستخدم فيها أمعاؤه، كما أن شعره يعمل في تنجيد المفروشات، ومن الغدد المختلفة تصنع بعض الأدوية والعقاقير ومن جلده يستخدم ما يعين الجيلاتي نوع من الحلوى المستمد اسمها من الجيلاتين المأخوذ من الخنزير جلده وعظمه على التجمّد المتماسك، ومن جلدته تدخل صناعات مختلفة، وخاصة في أدوات التجميل النسائية كما أفادت عن كل المعلومات، موسوعة المعرفة العالمية في الجزء (19 ص 3319).
والمسلم الملتزم بتعاليم دينه. يجب ان يكون كيّساً فطناً، وأن يحذر الوقوع في مصائدهم سواء علم أو بدون علم، لأن الأسواق الكبيرة والبقالات، في كثير من دول العالم الغربي يكتبون مركّبات الأطعمة بأنواعها، فما كان فيه من الخنزير أوضحوه وبالقراءة يعرف ذلك المسلم، حتى لا يجد أعداء الاسلام عليه مدخلا في دينه، أو نقطة ضعف تؤثر على عقيدته، والأمور تقتضي التّنبّه، وهذا من قوة الإيمان، لأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
عاقبة الخيانة:
ذكر إبراهيم البيهقيّ في كتابه المحاسن والمساوىء: أن عديّ بن زيد، كان ترجماناً بين كسرى والعرب، وأنه أشار على كسرى بتولية النعمان بن المنذر الملك. وكان له عبد يعرف بعديّ بن قيس، فوشى الى النعمان بعديّ بن زيد، وذكر انه كان السبب في تمليكه فسجنه النعمان، وسخط عليه، وتغيّر له وسجنه، فكتب إلى النعمان قصائد يستعطفه فلم يحفل بذلك، وكان له صاحب مقيم بباب كسرى، فأرسل إليه أبياتاً يخبره عن حاله، فدخل على كسرى وأخبره بما كان من النعمان إلى عديّ فغضب كسرى، وبعث برجل من مرازبته إلى النعمان أن يطلق عدياً، ويبعث به إليه. فأقبل الرسول الى النعمان وأدّى إليه رسالة كسرى فقال: نعم أنا أطلقه، ودسّ إلى عدي من قتله، ثم قال للرسول:
أدخل السجن حتى تخرجه، فلما دخل إليه وجده ميّتاً، فرجع إلى النعمان وقال له: عجّلت عليه وقتلته وأنا مخبر كسرى بذلك، فوصله بألف دينار، وسأله تحسين أمره عند كسرى، فانصرف الرسول وأخبر كسرى بموت عديّ.
وكان لعدي ابن يقال له زيد فخاف النعمان على نفسه، فهرب من الحيرة حتى أتى المدائن، فدخل على كسرى وتعرّف له، فقرّبه وبرّه، فقال لكسرى: ذات يوم: أيها الملك إن لعبدك النعمان ابنة يقال لها: حُرقة، وأختاً تسمى سعدى وابنة عم تسمى لباب، وليس في جميع الأقاليم أحسن منهنّ: فكتب كسرى إلى النعمان: أن أحمل إليّ ابنتك حُرقة، وأختك سعدى، وابنة عمّك لباب؛ على يد خادم له خصيّ.
فقال زيد: أيها الملك ابعث بي مع الخصيّ، فقال: اخرج على اسم الله، وعجل عليّ بالنسوة، فخرجا حتى قدما الحيرة، فدخلا على النعمان ودفعا إليه الكتاب فلما قرأه قال: أما في عين السواد وفارس، ما يغني الملك عن العربيّات السود الأبدان، الحمش السيقان أي دقيقات السيقان.
فقال الخادم لزيد: ما يقول النعمان؟ قال: يقول أما في بقر فارس، والسواد ما يغني الملك عن العربيات، فخرج الخادم حتى أتى كسرى، فأخبره بما سمعه من النعمان، وقال: أيها الملك إن الكلب الذي ذهبت إليه قد سمن وتعدّى طوره.فوقع ذلك في قلب كسرى، وغضب على النعمان ودعا إياس بن قبيصة الكنانيّ، فولاّه مكان النعمان، وأمره أن يكبّل النعمان بالحديد، ويبعث به إليه.فبلغ ذلك النعمان، فاستودع أهله وولده وخزائنه وسلاحه، وابنته حُرقة وخيله، عند هانىء بن مسعود المزدلف.
ثم خرج حتى أتى المدائن، فلقي زيد بن عديّ، فقال له: يا ابن اللّخناء، لئن بقيت لألحقنّك بأبيك فقال له زيد: أما والله لقد بنيت لك عند الملك بنيّة لا تصلح بعدها أبدا.. ثم دخل على كسرى ودخل زيد بعده، فقال زيد: أيها الملك إن هذا العبد إذا جلس على سريره، ووضع التاج على رأسه، ودعا بشرابه لم يظن أن لك عليه سلطاناً، فأمر كسرى بالنعمان أن يلقى بين أرجل الفيلة ففعل به ذلك، فداسته الفيلة حتى قتلته، وهيّج ذلك حرب ذي قار (2: 324 325).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.