في كل تقلبات هذه الحياة وسرعتها في تغير بعض المفاهيم بها, وانفتاح ثقافتها وتقارب بعضها البعض ولو بعدت المسافات، وطغيان بعض اشكال المادة بها على جلّ الاهتمام، و مع تراجع بعض القيم المرتبطة بالزمن القريب، إلا أن أنفُسا ما تزال تصانع في مسرح الهدوء واعطاء النفس مساحة واسعة في احساسها يصل مداه الى اقصى مواطن الخيال، فتبحر حيث ما شاءت وترسو حيث ما شاءت لا يقلقها ارتفاع الموج ولا ظلمة الليل. وتدرك متانة ما تشعر به، وتتحسس قربه بكل مداركها. وتفك قيد الفكر من أغلال الخوف والتنكر والتنافر، وهواء يلعب به على ارصفة مكتظة بمن لا يسمع. وتجمع طاقة النفس في ساعة السكينة لتصغي للحن بقي يدندن بها، فترفع صوتاً به وتخفض آخر، تجر نفساً به وتكتم آخر. لا شيء يقطع عليها حبال الوصل معه بل تبقى متيقظة الحس به حتى تبدأ شفاهها تترجمه، تعي بقدرة كبيرة السر الذي فيه. تنبذ تلك العشوائية في الانتقاء، تكره اللون الكاذب الذي يصبغ الكثير من الجدار حولها. تلك الزينة الوهمية في الاعناق والمعصم، وعلى الالسن وفي العيون. تقارع الهم هُوينا حتى لا ينال مما يصعب بعد ذلك ترميمه، وتعالج القلق بحكمة الاقدار. تعلم أن ما كرهته كان طريقا لما أحبت وأرادت، وأن ما أشقاها كان سبيلا لترى كيف يكسر النبع الحجر. وإنه يكاد يكون من المستحيل أن تعبر إلى روضة النخيل والماء قبل أن تقطع واديا ذا شوك. فلا يفزعها بعد ذلك ضيق المكان ولا يزعجها ضجيج من لا يحسن الا الضجّ. ** **