أعلنت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» عام 2018 أن 18 نوفمبر- تشرين الثاني من كل عام سيكون يوماً عالمياً للفن الإسلامي، وأفاد بيان صادر عن المنظمة الأممية أنه وبحسب القرار الصادر في مؤتمرها العام الأربعون، سيتم الاحتفال عالمياً بهذا التاريخ من كل عام بالفن الإسلامي بعد اقتراح تقدمت به هيئة البحرين للثقافة والآثار من خلال أمسية نظمتها الهيئة في مقر اليونسكو في باريس، حيث قامت الهيئة بتوزيع كتاب «الإسلام والفنون الجميلة» للكاتب محمد عبدالعزيز مرزوق مترجماً إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية ومتضمناً شرحاً مفصلاً عن كيفية تعاطي الإسلام مع الفنون بأشكالها المختلفة ومبيناً التأثير الإيجابي على تطورها وازدهارها. وأوضحت المنظمة أن هذه الخطوة تهدف إلى خلق الوعي حول الجانب الفني والحضاري للإسلام، وإسهام الثقافة في الحضارة، ودعت الجميع إلى تقديم الإسهامات في (اليوم العالمي للفن الإسلامي). وفي إطار جهود وزارة الثقافة أعلن صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة في عام 2019م عن عزم الوزارة احتضان العاصمة السعودية الرياض لأول «بينالي للفن الإسلامي» في المتحف الإسلامي وذلك بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو». كما أعلن صاحب السمو تسمية عام 2020م ب عام الخط العربي احتفاءً بالخط العربي وتقديراً لما يُمثله من أهمية في التعبير عن مخزون اللغة العربية وما يمتلكه من تاريخ وجماليات في هندسته وتفاصيله وأشكاله، تزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.، وتم إطلاق أول منصة إلكترونية لتعليم الخط العربي والزخرفة الإسلامية بدعم من برنامج جودة الحياة أحد برامج رؤية المملكة 2030 ، وذلك تحت عنوان «منصة الخطاط»، وتأتي ضمن المبادرات الفائزة بدعم الوزارة في «عام الخط العربي» وبإشراف نخبة من الخطاطين المحترفين في المملكة والعالم العربي والذين سيقدمون من خلالها أساسيات الخط العربي وفنونه وأساليبه عبر دورات تدريبية ومشاريع وورش عمل على يد محترفين ومتخصصين. وفي إطار اهتمام وزارة الثقافة بالمملكة فقد نظمت المؤسسة العالمية للأدب العربي يوم 18 نوفمبر 2020م ندوة بعنوان «الفن الإسلامي.. أسئلة الهوية وآفاق الثقافة» بدعم منها، احتفاء باليوم العالمي للفن الإسلامي. والمملكة حريصة كل الحرص في برامجها الثقافية على تعزيز أهمية الثقافة الإسلامية وفنونها، وقد استقبلت بكل حفاوة وزراء الثقافة واستضافت المؤتمر الإسلامي في مكةالمكرمة عام 2005م وفي المدينةالمنورة عام 2013م، وذلك بناءًا على ما أسندته إليها «المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - الإيسيسكو» في برنامجها لاختيار عاصمة الثقافة الإسلامية الذي ينعقد كل عامين بحيث تمتد الاحتفالات والتظاهرات على مدى سنة كاملة، وكان من مهامها نشر هذه الثقافة وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية الإسلامية من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة المجيدة. وقد وجهت وزارة التعليم اهتمامها بالفن الإسلامي عندما أطلقت الإدارة العامة للنشاط أولمبياد الخط العربي والزخرفة الإسلامية وتحويله لمشروع وزاري تأكيداً للأدوار التي تؤديها في اكتشاف المواهب وصقلها، وهو يمثل حزمة من المسابقات التنافسية ومسابقة الخط العربي، لتنمية مهارات الخط العربي والزخرفة الإسلامية لدى طلبة وطالبات التعليم العام. الفن الإسلامي: أجمل ما في الحضارة الإسلامية هو (فنونها) التي تعد همزة الوصل بين مختلف الشعوب وأنواع الثقافات، والتي تتحدى كل أشكال العنصرية والتعصب والإرهاب. وأهمية الفن الإسلامي ترجع إلى الرمزية التي يتسم بها، كونه تأثر بأنواع من فنون حضارات سابقة وأثّر على فنونٍ لاحقة، فكان يعد جسراً بين الثقافات والشعوب على مر الزمان، حيث كانت بداية نشأة الفن الإسلامي معتمدة على التراث الحضاري للأمم القديمة التي شملها الإسلام كالحضارة الرافدية والفارسية والمصرية والبيزنطية والهندية والصينية، وكثير من المؤرخين الأجانب يؤكد بأنه يصعب القول في أن هناك بالفن الإسلامي اتجاهاً عربياً أو فارسياً أو تركياً أو هندياً، وإنما يوجد هناك هوية عامة وفن وطراز عام تدخل ضمنه مدارس كثيرة لها خصوصية محلية أخذتها من تقاليدها وعاداتها الموروثة كمدرسة بغداد (السلجوقية) والصفوية والتركية والهندية والمغولية والأندلسية وغيرها.. فالعلاقات تتشابه في العمارة والهندسة والزخرفة بين مسجد بلاد الشام وآخر في بغداد، هذه العلاقات المتشابهة تؤكد مفهوماً واحداً وهو وحدة الفن الإسلامي رغم تباعد المكان والزمان. فقد أراد الفنان المسلم أن يحاكي الطبيعة بروحها وجوهرها وليس بأشكالها المتغيرة، فجعل مقياس الأشياء روحياً وجدانياً، كما حاول تجريد الأشياء المادية وتجزئتها وإحالتها إلى عناصرها الأولية ثم أعاد بناءها من جديد وفق نظرة فلسفية جمالية نتيجة لهذا الحس الأخلاقي والديني، ولهذا فقد عاشت الشعوب العربية والإسلامية في ظل فنون واحدة تغزو كل حياتهم، وكان الجمال متغلغلاً في كل شيء، في مطرقة الباب، الأبواب والنوافذ والمشربيات، حتى أصبحت شوارع المدن الإسلامية قطع فنية أذهلت المستشرقين والفنانين الغربيين فنقلوا للعالم هذا الجمال الذي يسمو بالنفس الإنسانية على سطح لوحاتهم الفنية. ورغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً على نشأة الفن الإسلامي إلا أنه لم يتغير مع تغير العصور والأنظمة، فقد ذهب الخلفاء والحكام وبادت الحضارات وسلاطينها ولكن الفن الإسلامي بقى حياً لم يختف وما زالت آثاره تزين المساجد والمصاحف والسجاجيد والأواني وغيرها، إن سر هذه الديمومة هو أن الفن الإسلامي يتجاوز كل الأفكار الوضعية والأشكال الظاهرية، كما أنه لم ينحز إلى حزب أو قوم أو عصبة، فهو فن ينطلق من مبادئ روحانية ثابتة ومرتبطة بضروريات الحياة الإنسانية، وتذوب الفوارق بين الفن والصنعة وتتلاشى المسافة بين الجمال والاستعمال، واستمراره قائم مع وجود المساجد مدى الحياة رغم أن وظيفة المسجد هي العبادة إلا أنه يبقى المكان الذي تتجلى فيه روح الفن الإسلامي وفلسفته، وهذا يدلنا على مدى قوة العلاقة بين العقيدة والفن، وأن هذه العلاقة تسري في عروق الفنان المسلم. وقد استلهم الكثير من الفنانين السعوديين المعاصرين هذه العناصر المعمارية والخط العربي والزخرفة الإسلامية كمفردات لأعمالهم الفنية، وهذه اللوحات تعد كنماذج فقط، منهم الفنان: مهدي الراجح، عبدالله الرشيد، أحمد الجدعان، علي النجمي، محمد العمري، فهد العمار، عادل حيسنون، والفنانات: د. منال الرويشد (فن رقمي)، د. هناء الشبلي (فن رقمي)، فاطمة وارس، مها الصويان، منى الخويطر، دانية الزهراني... وغيرهم الكثير من الذين ترجموا حبهم لفنون حضارتهم الإسلامية على أعمالهم الفنية. الخط العربي والتشكيل بالحرف «الحروفية» انفرد الفن الإسلامي من بين فنون العالم بالخط العربي الزخرفي الذي استخدم على أوسع نطاق وفي جميع المنتجات الفنية والمعمارية، فقد حل الخط العربي بجماليته ومعانيه الروحية محل الصور التي كانت في الكنائس فأدرك الفنانون المسلمون الأوائل أهمية هذا الخط فجعلوا منه عنصراً تشكيلياً طيعاً في الزخرفة وأبدعوا بالتشكيل به، وكان القرآن الكريم هو العنصر الأساسي الذي اهتم به الخطاطون حيث زخرفوا عناوين السور بالذهب ووضعوها داخل إطارات مزخرفة بأنواع الزخارف الخطية والنباتية والهندسية، ويتميز الخط العربي عن خطوط بقية اللغات بحضور جمالي متكامل، فهو مثير للدهشة ويجذب الكثير من محبي الفنون الجميلة في العالم حيث يعتبر هو أهم المجالات الفنية التي تعكس تطور الفكر الإنساني واندماج الإرث بالحداثة، ويتمتع بتناسق ومرونة مكّنته من التشكل الهندسي بين المد والاستدارة والتداخل والتركيب حيث يختلف تنفيذه باختلاف الخامات. ولهذا عُومل هذا الخط كعمل فني قائم بذاته له خصائصه ومزاياه التشكيلية والتعبيرية التي شهدت بدورها تطوراً كبيراً، خلال مراحل تطور هذه الحضارة الإسلامية وما زال حتى هذا اليوم موضع اهتمام وبحث وتجريب، بهدف الوصول لمنجز بصري عربي معاصر يتضمن قيم تشكيلية ودلالية وتعبيرية. وظهرت اللوحة الحروفية بمفرداتها وتركيبتها وحاولت فرض جماليتها بصيغة جمالية تتماشى مع تغير الأماكن والأذواق تجاه الجمال بصفة عامة واستطاع بعض المبدعين الخروج بلوحات فنية ساهمت في التخلي ولو بنسب محددة عن القوالب الجاهزة الجامدة المكررة، وقد تطور الخط والحَرْفْ من الكتابة إلى التشكيل الفني لعدة أسباب أهمّها وضع الخط كمفردة تشكيلية في بؤرة اهتمامات الفنان التشكيلي وذلك بوصف الفن أداة لعصف ذهني دائم يتضمن كل المجالات والأفكار لتتحول إلى شكل جمالي مبتكر، بعد أن كان الحرف العربي أداة للكتابة على المصاحف والكتب وعلى جدران المساجد والقصور وشواهد القبور، تحوّل إلى توظيف جمالي تشكيلي وفنّي وإلى غاية جمالية تطغى على الغاية التوصيلية للحرف الذي أصبحت له هوية فنية تشكيلية قائمة على التجريد واللعب الحرّ بإمكانيات الخط العربي وظهور لوحة حروفية كمنتج بصري منفتح على كل تجديد، فظهرت أنواع مختلفة من فن الحروفيات وهي كالتالي: * الخط الخالص: التي يشكل فيها الخط كلاً من الخلفية والمضمون. * الكلاسيكية الجديدة: التي تلتزم بقواعد الخط في القرن الثالث عشر. * الكلاسيكية الحديثة: التي تمزج الخط الخالص مع أشكال أخرى. * الرسم في الشوارع «الجرافيتي»: يستخدم الفنان خط اليد العادي الخاص به في تكوين حديث لتوظيف النص، بدون أي قواعد أو تدريب مسبق. * الخط الحر: الذي يوازن بين الأنماط الكلاسيكية. * مجموعات الخط: وهي التي تستخدم أي مزيج من أنماط الخط. * الخط التجريدي: الذي يفكك الحروف ويتضمنها كعنصر رسومي في عمل فني تجريدي، وقد تكون الرسائل مقروءة أو غير مقروءة أو قد تستخدم نصًا زائفًا. وفي السنوات الأخيرة أصبحت الحروفية فناً طاغياً ومنتشراً بشكل كبير في الساحة التشكيلية العربية وخاصة السعودية، وظهرت لهذا الفن أسماء رائدة اعتمدت بأساليبها الخاصة في إحداث ثورة في الساحة التشكيلية المحلية العربية والعالمية، وبات لتلك الأسماء والفنانين تلاميذ ومنتمون يتبعون نفس الأسلوب الفني، فكانت تجربة رائد الحروفية «نجا المهداوي» من تونس مواكبة للحركات الفنية الغربية واختار الرقيّ بها إلى عالم من التجريد مؤكّداً على القيم الشكلية مع دلالات رمزية جديدة ومعان إضافية فيها من الجمال والتشكيل بقدر ما فيها من الفن والتجديد، كما نذكر تجربة الرائد «ضياء عزاوي» من العراق الذي جرّد الخط من معناه ووظّف الحرف توظيفاً عصرياً له تجسيد بصري يؤكد وجود اللغة العربيّة ويرسخها بالأذهان... وآخرون من الوطن العربي لا يتسع المقال لذكرهم. ولدينا في المملكة أسماء نفخر بها من فنانين حروفيين أو أنتجوا بعض اللوحات الحروفية منهم: نبيل النجدي، ناصر الموسى، يوسف إبراهيم، عثمان الخزيم، زمان جاسم، فيصل السمرة، محمد الرباط، محمد العجلان، نهار مرزوق، سامي البار، فهد خليف، فهد غرمان، خالد الصوينع، محمد شراحيلي، عبد القادر العبيدان، سعد الملحم، سلطان السويدي، سلطان العيسى، إبراهيم العرافي، سعود خان، لولوة الحمود، خلود القصيبي، إيمان الجشي، رجاء الشافعي، بيان باربود... وغيرهم الكثير الذين قدموا لنا لوحات حروفية في غاية الجمال والروعة. للأسف هناك محاولات لفنانين انخرطوا في الحروفية من منطلق الهواية بلا دراسة أو اطلاع فأساءوا لهذا الفن ولأسمائهم. أخيرا.. نختتم هذه المقالة باقتراحات نأمل أنها سترى النور قريباً اعتماداً على ما نلاحظه من اهتمام الدولة بجودة الحياة ضمن برامج رؤية المملكة 2030 التي تسعى لتحسين جميع جوانب شخصية المواطن السعودي وهي كالتالي: * إنشاء مراكز خاصة للفن الإسلامي على يد نخبة من الأساتذة والفنانين تهدف إلى التوعية والتدريب والتعليم ونشر ثقافة الفن الإسلامي والخط العربي بالمجتمع المحلي والمنطقة العربية، وتندرج تحته فعاليات وأنشطة، ويهتم بالمواهب الواعدة والعمل على تنميتها وتعليم ونشر الفنون الإسلامية داخل المملكة وخارجها وإنشاء مركز معلومات متخصص يوفر كافة المراجع البصرية والسمعية والكتب المعنية بالفن الإسلامي. * تنظيم العديد من المعارض الفنية لمجالات الفن الإسلامي في داخل المملكة والخارج. * إقامة منتدى ثقافي دولي للفنون الإسلامية واستضافة عدد من كبار الباحثين والخطاطين والمزخرفين والحرفيين لتقديم عدد من الندوات والمحاضرات والدورات والورش الفنية التي تخدم المتخصصين والمجتمع كافة. * إقامة ملتقى دولي كل عامين يجمع أشكالاً عدة من الفنون الإسلامية، مع إقامة دورات متتالية يشارك بها خطاطون وفنانون من مختلف الدول العربية والإسلامية والغربية بحيث يركز الملتقى في كل دورة من دوراته على مجال معين من تطبيقات الفنون الإسلامية مثل الخشب والخزف والنسيج والسجاد والمشغولات المعدنية. * مد جسور التواصل مع الهيئات والمؤسسات الثقافية التي تهتم بالفن الإسلامي في جميع أنحاء العالم وتحقيق مزيد من التعاون بين المعنيين بالفنون الإسلامية. * إنشاء مكتبة متخصصة تجمع الكتب المتعلقة في الفنون الإسلامية سواء كانت في فن الخط العربي أو الزخارف الإسلامية أو العمارة أو الحرف أو غيرها بشتى اللغات ويجري العمل على تعزيزها بأمهات الكتب والمراجع والدوريات أولاً بأول. * تشجيع الحرفيين الممارسين للفنون الإسلامية ودعمهم مادياً لنشر إنتاجهم للمجتمع المحلي وللسياح وضيوف المملكة. * أهمية اهتمام وزارة التعليم بالتربية الفنية بشكل أكبر، وبالفن الإسلامي خصوصاً وإظهار قيم ومبادئ الإسلام من خلاله، مع الاهتمام بمنهج الخط العربي وجعل له حصة مستقلة بذاتها يقوم بتدريسها معلم صاحب كفاءة، وإصدار تنظيم بعمل مسابقات ومعارض للخط العربي داخل المدرسة وخارجها. * مساهمة المتاحف وأقسام الفن الإسلامي لتنسيق برامج وأنشطة وإقامة فعاليات مشتركة بينها وبين وزارة الثقافة والتعليم وبين المكتبات العامة للتوعية بأهمية الفن الإسلامي. * إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات في المجال الفكري للفن الإسلامي، مع البحث في تراثنا للكشف عن جهود العلماء ومساهماتهم في قضايا الفن. * تفعيل فكرة استخدام الفن الإسلامي كلغة عالمية راقية للدعوة وللتقارب بين الشعوب. * أهمية حضور الفن الإسلامي كهوية بصرية وثقافية واستثمارية عالمية لدى الأجيال القادمة، من خلال البرامج التعليمية التي تقدمها وزارة التعليم ووزارة الثقافة، مؤكدة على أن الفن غذاء الروح وبهجة العيون. والفن الإسلامي بذاته محفز على الإبداع وعامل مهم في سلامة النفوس وسكينتها. ** ** د. هناء بنت راشد الشبلي - فنانة تشكيلية - مديرة إدارة التخطيط وإدارة الفروع بجمعية جسفت