الحرف يرتبط ازدهاره والاهتمام به بمستوى رقي الحضارة ونموها. وتطور الكتابة وارتقاؤها يأتيان بارتقاء الإنسان العقلي والذوقي ونموه الإبداعي. ولقد أولت الحضارة الإسلامية في أوج مجدها وظهورها الخط العربي الكثير من اهتمامها، الذي كانت مادته الأساسية النصوص القرآنية ثم الأحاديث النبوية والأشعار والحِكَم والأمثال. ولأن الفن الإسلامي اهتم بالحياة كنظام وفلسفة خرج بالحروف العربية من استخدامها الكتابي التدويني إلى المستوى الجمالي والتزييني، وانتقل بالحرف العربي وخطوطه عبر النبض التشكيلي من الواقع الدلالي إلى الواقع الجمالي؛ فظهرت التشكيلات الخطية للحروف العربية خارج المخطوطات على النسيج والعمارة والأواني والتحف الإسلامية، ووصل بها إلى مرحلة الإبداع والابتكار في مراحل متعددة من تاريخ الفنون الإنسانية؛ وهو ما جعل أثر الحروف العربية يظهر في كثير من الحضارات الإنسانية على مر العصور؛ فظهر في فن التصوير الإيطالي منذ أيام جيتو؛ فكانت صورة المسيح عليه السلام في لوحة لازروس بكنيسة أرينا ببادوا، التي ظهرت بها رسوم للحرف العربي على الكتف اليمنى للصورة (وكان «فرا أنجيليكو» و»فيليوليبي» مغرمَيْن بهذا النوع من الزخارف الحروفية، واستعملاه حتى في أكمام العذراء وحواشي ثوبها)، وهو ما كان منتشراً من المشرق للمغرب في المنسوجات الحريرية للأثرياء المزينة بالحروف العربية، حتى ظهرت عباءة التتويج للملك روجر التي نسجت في صقلية عام 1134م مزينة بالحروف العربية والمواضيع الشرقية. والأمثلة كثيرة في تاريخ تأثير الحرف العربي على الفنون الإنسانية. أما حضور الحرف العربي في الفنون العربية المعاصرة فهناك من يرى أنه بدأ متأثراً بتعامل بول كلي مع الحرف العربي في عدد من أعماله الفنية، وحضور الحروف العربية أيضاً حضوراً معمارياً في أعمال الفنان برنار كنتين في نهاية السبعينيات. وهناك أيضاً من يرى أن عودة الحرف العربي للعمل التشكيلي من خلال مخطوطة لنيازي مولوي بغدادي بمكتبة المخطوطات ببغداد في نهاية القرن التاسع عشر. وأياً كانت عودة وحضور الحرف العربي إلى المشهد التشكيلي، فإن حضوره كان حضور حروفية عربية على شكل ظاهرة فنية، وليست تجارب فردية متفرقة. وتم التعامل مع الحرف العربي على مستويات عدة، منها: الحروفية الاستلهامية المستندة إلى البعد الواحد، من خلال الفكر التأملي وطرحه في العمل التشكيلي. الحروفية النصية التي تقدم الحرف وفق الخطوط القاعدية، وبتكرار النص والتشكيل به وفق رؤية الفنان. الحروفية الانكسارية، وفيها يستعمل الحرف لكسر الأشكال الهندسية المجردة بمساحات لونية أكثر تضاداً. حروفية زخرفية نقشية. حروفية حولت جسد الحرف إلى ضربات متداخلة. حروفية حرة أو متمردة على نظام التنقيط القاعدي. وبالبحث المستمر في الظاهرة الحروفية العربية وتأصيلها ومنهجتها التصنيفية يمكن تطويرها وإعادة شيء من بريق الحروفية العربية، الذي كان أحد أبرز مقومات الفنون الإسلامية سابقاً. المراجع: - أثر الفن الإسلامي على التصوير في عصر النهضة, إيناس حسني - المتعالق بين الخطاط والفنان, طلال معلا - الحروفية العربية، شربل داغر