هل تساءلت يوماً لماذا تشعر بشيء من التوتر وعدم الارتياح عندما تكون في المصعد مع أشخاص غرباء، أو عندما يجلس أحدهم في المقعد المجاور لك في الطائرة، أو حين يقترب منك شخص بمسافة قصيرة عند الحديث معك، وكذلك حرصك على ترك مسافة بينك وبين من يقف أمامك أو خلفك في مسار الدفع في المتجر أو عند بوابات الدخول والخروج لمكان ما، وحرصك في كثير من الأحيان على اختيار كرسي لا يجلس حوله أحد في صالة الانتظار، أو تفضيلك لطاولة طعام بعيدة في المطعم، وربما اهتمامك بالجلوس في الأركان أياً كان نوع المكان الذي تتواجد فيه. تفسير ذلك كله يكمن في بحثك عن ما يسمى بالمجال الشخصي أو المسافة الشخصية وهي المساحة الخاصة التي تحيط بك ولا تقبل أن يشاركك فيها أحد من الغرباء، ظهر هذا التعريف بشكل دقيق من خلال العالم والأستاذ الجامعي الأمريكي، «إدوارد تي هال» في كتابه البعد الخفي -1966م، حيث قدم خلاله وصفاً للأبعاد التي تحدد المسافة بين الإنسان وبين الآخرين وعرفها على أنها: «عبارة عن المنطقة التي تحيط بالفرد ويعتبرها ملكًا له من الناحية النفسية، وتتمثل خاصة في أغلب الأشخاص الذين ينتابهم الشعور بعدم الارتياح أو الغضب أو التوتر حال التعدي على هذه المساحة»، أو ما سماه بمصطلح «البروكسيميكس» أي قياس المسافات التقديرية التي تفصل بين الناس. المقاييس الرئيسة المقترحة لتحديد أنماط المجال الشخصي للإنسان صُنفّت إلى أربعة مجالات، الأول «المسافة الحميمية» وتقدر بأقل من (46 سم) للمقربين من الدرجة الأولى مثل الأزواج والأبناء وأفراد العائلة، الثاني «المسافة الشخصية» وتبدأ من (46 سم) إلى (1.22 م) وتكون عادة بين الأصدقاء وزملاء العمل، بينما الثالث هي «المسافة الاجتماعية» وتقدر ما بين (1.2م إلى 2.4م) وتستخدم لتحديد العلاقة مع الغرباء أو المعارف الجدد، أما الرابع فهي «المسافة العامة» التي يجب ألا تقل عن (2.4م) وأكثر من ذلك. ما يجدر الإشارة إليه أن هذه المسافات تختلف معاييرها باختلاف ثقافات الشعوب وأعراقها ومواطنها أو مدى العلاقة التي تربط الإنسان مع الآخرين وكذلك نوع الجنس البشري رجلا كان أو امرأة، ويشمل ذلك حتى نمط التجمعات العمرانية ومستوياتها ونسبة تحضرها ومعدلات اكتظاظها والتي عادة ما تسمح بتعديل تلك المعايير وفق حالتها، وفي كثير من الأحيان تكون ظرفية المكان والزمان سبباً يضطر بموجبه الإنسان لتجاهل المسافة الشخصية «مؤقتاً» مثل ازدحام القطارات أو السير في الحشود أو الطوارئ والحالات الخاصة. الاعتبارات الإنسانية للمجال الشخصي لها انعكاس كبير في التأثير على صناعة وتخطيط وتصميم المكان وتحديد وظائفه وفهم سلوكيات مستخدميه وتفاعلاتهم الاجتماعية، وهي مدخل رئيس للارتقاء بنمط حياتهم وأسلوب عيشهم واحترام خصوصياتهم. خلاصة القول: تأكد من المسافة التي تفصل بينك وبين الشخص الآخر «بالسنتيمتر».