إذا بني الفعل للمفعول حذف فاعله وجعل المفعول به نائبًا عن الفاعل، هذا هو الأصل؛ غير أن طائفة من الأفعال جاءت في اللغة مبنية للمفعول ابتداءًا، قال سيبويه «(باب ما جاء فُعِلَ منه على غير فَعَلْتُه) وذلك نحو: جُنَّ، وسُلَّ، وزُكِمَ، ووُرِدَ(1). وعلى ذلك قالوا: مجنونٌ ومسلولٌ، ومزكومٌ، ومحمومٌ، ومورودٌ». وليس لهذه الأفعال ونحوها أفعال مبنية للفاعل تقابلها. وكان أن اشتق منها اسم التفضيل فقيل (أجنُّ منه)، وتعجب منها أيضًا فقيل (ما أجنَّه)، ولا يكون ذلك من الأفعال التي لها مبني للفاعل مثل (ضُرِبَ) لأنه يلتبس بما أخذ من (ضَرَبَ). وحين عدد ابن مالك أبنية الأفعال في خلاصته زاد فيها المبني للمفعول، قال: وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ ... فِعْلٍ ثُلاثِيّ، وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ فأبنية الفعل المجرد ثلاثة (فَعَلَ، فَعُلَ، فَعِلَ) والرابع (فُعِلَ). وفهم بعض شراح ألفيته أن هذا الرابع أصل مناظر للثلاثة، وليس بمغير عنها، قال المرادي «وقوله: (وزد نحو ضُمِن) يعني: أن بناء ما لم يسم فاعله بناء أصلي من أبنية المجرد فحقه أن يذكر مع الأصول، فتكون أبنية الثلاثي المجرد أربعة. وإلى كون صيغة ما لم يسم فاعله أصلا ذهب المبرد وابن الطراوة والكوفيون، ونقله في شرح الكافية عن سيبويه والمازني(3)، وذهب البصريون إلى أنها فرع مغيرة عن صيغة الفاعل، ونقله غير المصنف عن سيبويه، وهو أظهر القولين، وقد ذهب إليه المصنف في باب الفاعل من الكافية وشرحها(4)»(5). وجرثومة أصالة بناء الفعل للمفعول كانت في الكتاب، ذكر الشاطبي أن بعض الشراح استفاده من قول سيبويه «فأما بناء ما مضى فذَهَبَ وسَمِعَ ومَكُثَ وحُمِدَ»(6)، ولكن جمهور النحويين ذهبوا إلى أن البناء مغيّر فهو فرع لا أصل، قال الشاطبي «ومذهب الجمهور أنّ بناء المفعول فرعٌ عن بناء الفاعل ففُعِل مُغيّر من فَعَل أو فَعِل، وجعلوه مذهب سيبويه؛ لأنه لما تعرّض لحصر أبنية الأفعال لم يذكر المبني للمفعول، وأما هذا الموضع فلم يتعرّض فيه لذكر أصل ولا فرع، وإنما أتى بمجرّد تمثيل فقط، قال ابن خروف: ونصّ في مواضع - يعني سيبويه - أنه مُغيّر منه»(7). وأغرت أصالة بناء ما لم يسم فاعله وأنّ من أفعاله ما لا مقابل لها من مبني على الفاعل بعضَ النحويين المتأخرين بإجازة عدّ مرفوع الفعل فاعلًا لا نائب فاعل، منهم الخضري، قال «لما لم ينطق بهذا الأصل كان في حكم اللازم على أن بناءه لذلك صوري فقط، وفي الحقيقة مبني للفاعل، فمرفوعه فاعل لا نائبه، ومثله: نُتِجَتِ الشاةُ، وعُني بحاجتك أي اعتنى، وزُهِي علينا أي تكبر، وسُقِطَ في يديه أي ندم، فهذه الخمسة أفعالٌ مبنية للمفعول صورة»(8). ومنهم الهوريني(9)، والحملاوي(10). (للموضوع صلة) ... ... ... (1) وردته الحمّى. (2) سيبويه، الكتاب، 4: 67. (3) ابن مالك، شرح الكافية الشافية، 4: 2014. (4) ابن مالك، شرح الكافية الشافية، 2: 577. (5) المرادي، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، 3: 1517. وانظر الشاطبي، شرح الألفية، 8: 276. (6) سيبويه، الكتاب، 1: 12. وانظر: الشاطبي، المقاصد الشافية، 8: 276. (7)الشاطبي، المقاصد الشافية، 8: 277. (8) الخضري، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، 2: 552. (9)نصر الهوريني، مقدمته للقاموس المحيط للفيروزآبادي(ط3، المطبعة الأميرية/1301ه) 1: 12. (10)أحمد الحملاوي، شذا العرف في فن الصرف، ص92.