(نسوة السوق العتيق) سيرة روائية - كما يصنفها مؤلفها الشاعر الروائي ماجد سليمان - تقع في تسعين صفحة وصفحتين، وقد صدرت إلكترونيًا بجهد المؤلف الذاتي، وأتاحها في منصات القراءة الإلكترونية بعد أن عانى من دور النشر التقليدية في إصداراته الثمانية عشر السابقة. الرواية توثق السوق الداخلي في مدينة (السيح) بكل جزئياته، كشارع الخياطين وشارع الطواحين، مع التركيز على سوق النساء أو ما يعرف شعبيًا ب (سوق الحريم). ومع أن هذا السوق أكمل اليوم ثمانية وستين عامًا على إنشائه - كما يقول المؤلف بناء على ما أخبر به أحد كبار السن - إلا أن المؤلف اختار لروايته الفترة ما بين عامي 1990 و2002. أبطال هذه الرواية (عيوش) و(مضاوي) ضَرَّتان لأحد المتشددين الذي حوَّل حياتهما إلى جحيم قبل أن يتحول هو إلى إرهابي. تعيش الضرتان في بيت واحد من طابقين في حي السليمانية الملاصق للسوق الشعبي. لا يفصل بينهما في العمر أكثر من ثلاث سنوات، وبعكس كثير من الضرات فقد عاشتا متآلفتين متوافقتين، تفرحان بغياب زوجهما (البراء) في المخيمات الدعوية لتقضيا جزءًا من وقتهما في (سوق الحريم)؛ وتحديدًا في (مبسط) الفلسطينية (فتون) المختصة ببيع مستلزمات النساء. فتون فلسطينية الأب سورية الأم قضى أبواها في مجزرة (حماة) عام 1982، فجاءت هاربة من الجحيم، واستقر بها المقام في هذا السوق. لا تستطيع المرأتان قضاء وقت طويل في السوق خشية عودة زوجهما من المخيم فجأة، أو نتيجة ما ألقى في روعهما من حرمة خروجهما من غير إذنه. ولذلك فهما تمضيان جزءًا من الوقت في البيت أمام المرآة تتفقدان ما أذهبته الأيام من جسميهما، وما أضافته قلة الحركة إليهما، إذ لا وجود لأي نوع من أنواع التسلية، فلا هاتف ولا مذياع ولا جهاز تسجيل ولا ورق لعب، حتى التلفاز حطمه (البراء) حين شبهت (عيوش) ثوبه القصير بفستان نومها. حين يغادرهما زوجهما للمخيمات الدعوية لا يترك ما لا لهما، وإن اضطرتا لشراء مؤونة أو مستلزمات خاصة فبالآجل؛ يدون البائع - أو البائعة - ما له لحين عودة (المجاهد) الذي يخشاه أهل السوق لسطوته ولمكانته الاجتماعية التي منحها إياه المجتمع المخدوع. وتعجب المرأتان من زوجهما كيف يحصل على المال وهو العاطل الذي فُصل من التعليم، ثم أقيل من الأوقاف حيث عمل بها لاحقًا. ومما زاد المرأتين قلقًا على مصيرهما أن زوجهما عقيم، فعلى كثرة ما تزوج لم ينجب. وعندما يكون (السيد) موجودًا عند إحداهن تنقطع علاقة إحداهما بالأخرى لحين مغادرته، ولذلك تكون الرسائل هي وسيلتهما لتعبر إحداهما للأخرى عما يجيش في صدرها، وماذا لدى إحداهن غير (الفضفضة) عن زوجهما الذي اصطلحتا على تلقيبه ب (العِجل) كراهية له ولاسمه. من شخصيات الحي (سعيد) الخياط الحضرمي الذي جاء للسيح وهو ابن ثماني عشرة سنة، وعَصَمَه حبه لجمع المال من الالتفات لمعاكسة النساء، كما يفعل غيره من الباعة والمتسوقين والمتسكعين من الشباب، على الرغم من مرابطة سيارة هيئة الأمر بالمعروف بموظفيها المتأهبين للانقضاض في أية لحظة. مرض (البراء)، ودخل المستشفى لأيام عدة، خرج بعدها معافى، وواصل تحركاته المشبوهة، وانقطاعه عن البيت حتى جاءهما نبأ مقتله في عملية انتحارية استهدف بها سكنًا لعدد من الجاليات. اليوم في عام 2020 تغير الحي وسكانه. ماتت (فتون) في شقتها، وقُبض على سعيد اليماني بتهمة التستر ورُحِّل إلى بلده. أما السوق فقد تعرض لحملات تطويرية أخفت معالمه، ولم يبق إلا القليل مما يدل على أن سوقًا شعبيًا كان هنا.. ** **