بادئ ذي بدء في هذه العجالة نريد أن نتحدث عن شخصية أكلها الدهر وشربها الزمن وهو الغازي الطاغية والهالك إبراهيم بك باشا، حيث نريد أن نترجم شخصيته ببعض أفعاله المنكرة بمناسبة مرور قرنين من الزمان مضت على سقوط الدرعية تحت يده وهي عاصمة الدولة السعودية الأولى والجزيرة العربية، وذلك عندما سقطت الدرعية قبل قرنين من الزمان (في شهر سبتمبر 1818م) على يده مع جيوشه وعتاده الحربية الثقيلة بعد حصار تام ومحكم دام ستة شهور بقصف بالمدفعية على منازل ومزارع أهالي الدرعية، ولم يتوقف الحصار عليها من قبله وجيشه المعتدي إلا بعد إعلان الإمام عبدالله بن سعود -رحمه الله- وهو آخر أمراء وأئمة الدولة السعودية الأولى، وذلك بالاستسلام حفاظًا على أرواح وممتلكات الدرعية وما جاورها من البلدان وعلى سلامة مجتمعها من أهلها وأمرائها وعلمائها، حيث نجد الطاغية لم يلتزم بأي بند من بنود الاتفاقية المعلنة وهي وثيقة متعارف عليها في كل الحروب، وإنما أطلق كلمته المشهورة النابعة من خبث وغطرسة وتكبر وهمجية وهي (أمان أمان). ولما سلم الإمام عبدالله بن سعود نفسه (حقناً للدماء) وهي من بنود الاتفاقية جعله رهينة عنده وبدأ بتنفيذ مخططه الإجرامي حسب أوامر باب الطغاة العثماني والتوجيهات المباشرة من والده الطاغية محمد علي بك الالباني بإسقاط حكم أئمة آل سعود البررة ودولتهم، ومسح فكر مجدد الدعوة محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-، والغريب في هذا الأمر العظيم الذي أصاب الدرعية ومدن نجد والجزيرة العربية بأنه لم تصدر تلك الأوامر من الطغاة إلا بعد تسعين عاماً من قيام الدولة السعودية الأولى، حيث إن الهدف بذلك هدف سياسي ضد دولة مدنية قائمة بنظامها الاجتماعي والاقتصادي والأمني وفق أسس مدنية كاملة. وليس الهدف دينياً كما يدعون كذباً من أجل الدفاع عن الحرمين الشريفين وحمايته، وهو الذي أولاه أئمة آل سعود بالرعاية والخدمة والأمن منذ قيام الدولة السعودية الأولى على يد الإمام المؤسس محمد بن سعود -رحمه الله- إلى يومنا هذا، حيث إن سقوط الدرعية وهدمها ثمنها مدفوع مسبقاً من قبل طاغية الباب العالي العثماني لمحمد علي باشا حيث قبض الثمن بذلك بأن يكون حكم مصر لمحمد علي وتم له ذلك، حيث قام بإصدار أوامره بإرسال جيش لمنطقة نجد والدرعية (بقيادة إبراهيم باشا) بحيث نجد بعد سقوط الدرعية واستسلامها بقي فيها شهرين من الزمن، حيث بدأ بتنفيذ مخططه الإجرامي وفق أهاف وأوامر مدروسة ومن هذه الأهداف الإجرامية التي قام بها: 1- اتخاذ الإمام عبدالله بن سعود -رحمه الله- رهينة عنده دون أي اعتبار أو احترام لشخصه كإمام وزعيم ورجل دولة. 2- سجن الأمراء والعلماء والدعاة وكبار أهالي الدرعية. 3- قتل وسجن الكثير من أهالي الدرعية وعلمائها ومن أسرة وأحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-. 4- استدراج قائد جيش الإمام عبدالله بن سعود القائد غصاب العتيبي بأمر من المجرم إبراهيم باشا ومقابلته وقتله غدراً بعد أن أعطاه الأمان. 5- سرق ونهب مكتبة الدرعية (وهي أشبه بجامعة لما فيها من أمهات ونوادر الكتب والمخطوطات والوثائق). 6- إحراق كثير من المؤلفات وأمهات الكتب الدينية. 7- شحن الوثائق والمخطوطات والكتب بعد فرزها إلى مصر. 8- سرقة صندوق مقتنيات حجرة رسول الله محمد -عليه الصلاة والسلام- وشحنه مباشرة إلى استانبول لدى الباب العثماني. 9- مطاردة رجال الدرعية ورموزها والقبض عليهم من البلدان المجاورة. 10- تشريد الأسر وأطفالهم من الدرعية. 11- سرق ونهب مستودعات الدرعية الغذائية. 12- ترك محميات عسكرية دائمة بالدرعية والمدن المجاورة لها. 13- ترحيل الإمام عبدالله بن سعود مع كثير من الأمراء والعلماء ورجال الدرعية إلى مصر. 14- ترحيل كثير من الأسر النجدية المقيمة في المدينةالمنورة ومكة المكرمة إلى مصر. 15- ردم آبار الدرعية كلها. 16- إحراق مزارع الدرعية ونخيلها. 17- ترحيل الإمام عبدالله بن سعود -رحمه الله- من مصر مع رجاله من الأمراء والعلماء إلى استانبول بعد أن أعطاه الطاغية حاكم مصر محمد علي باشا الأمان له ولرجاله لدى الباب العثماني. 18- وصول الإمام عبدالله بن سعود إلى استانبول ومعه الأمراء والعلماء ورجال الدرعية، حيث تم سجنهم جميعاً لمحاكمتهم. 19- إعدام الإمام الشهيد ومن معه بالسجن بأمر محكمة تركية عسكرية صورية (أشبه بالمسرحية) حيث أعدموا جميعاً في يوم واحد -رحمهم الله-. من هنا نجد حال الإمام عبدالله بن سعود قبل إعدامه وهو في السجن لدى الطغاة الترك صابراً ويحتسب على الله، حيث كان نهاره قراءة القرآن وليله تهجد وعبادة (رواية المستشرق رويتر). إذاً نحن أمام دولة عاشت وقامت قبل قرنين من الزمان وعاصمتها الدرعية على أيدي أئمة بررة -رحمهم الله-، حيث ساد الأمن والرخاء وانتشر العلم في ربوع نجد والجزيرة العربية كلها، حيث كانت الدرعية منبر علم لكثير من طلبة العلم خارج نجد والجزيرة العربية حتى سقطت وأصبحت الدرعية أطلال مع بقية مدن نجد لأحداث قرنين مضت على يد الهالك إبراهيم باشا. ولا ننسى دور الضابط البريطاني (المستشرق) ج. فورستر سادلير، الذي أنكر بشدة على إبراهيم باشا بما فعله بالدرعية وبأهلها الأبرار، حيث إن سادلير وصل إلى الدرعية بعد سقوطها ورأى الدمار والخراب والفوضى الكاملة مع بقية مدن نجد، ثم كتب في مذكرات رحلته تلك الأحداث وما رآه من دمار وقتل وتشريد. وذكر سادلير بأن الطاغية إبراهيم باشا أراد أن يطوي تاريخ أئمة آل سعود البررة إلى الأبد بفعلته هذه وجيشه تاركاً منطقة نجد والجزيرة العربية في فوضى عارمة، ولكن الله قيض لهذه البلاد المباركة شعباً يعشق الأمن والأمان ومتمسكاً بأئمتهم وبأرضهم وصبروا بذلك إلى حين ظهر الإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية (1824م)، حيث سار على نهج آبائه وأجداده تاركين صفحات ذهبية خلدها لهم تاريخ نجد والجزيرة العربية المعاصر إلى يومنا هذا. وبالله التوفيق. ** **