يكتُب ... ويكتُب، ويملأُ الدنيا بِحبره الذي يظنُ في قرارة نفسه أنه لا ينضب... لكنّه في حقيقة الأمر يكتب لرغبةٍ في داخله كي يبقى، لرغبةٍ تعتريه كي يُحافظ على الرمقِ الأخير في داخله خاشيًا أن يراهُ يتداعى في داخله، علّه إن فعل يُحافظ على المتبقي من حياةٍ في نفسه، ثم يُمسك بكل ما يمكِّنه من هذا القلم ويأخذُ في حُبورٍ ورقة ويتبتلُ وكأنه في صلاة وكأنه في محراب وعلى رأسهِ لا يرى إلا صورةً من تخيُّله ثم يتيهُ في هذا القلم تاركاً له الزمام وهو هو، لا يُداري شيئًا من رغباتِ قلمِه، تاركاً له الوقت كي يخوضَ كما يُريد، وادعاً فيه كل ما فيه هو ... ثم ما إن ينتهي هذا القلم وتستقيمُ لحبره الكلمات فيقفُ دونها مزهوا وكأنه يوشع وقد حُبست دونه الشمس وموسى وقد تبددت الماء من بين يديه ثم ما هيَ إلا لحظات حتى يخرج من مزاج نفسه وتركيب ما كان فيه من زهو فيُعيد قراءة ما كان يعبثُ به حتى يجده دون الذي شاء ويراه غيرَ الذي كانت عليه صورته فينهالُ على الورق تمزيقاً ويروّي في داخل القلم تلكُم الطعنات التي يلعن فيها النقطة الأولى التي جرت منه ... ثم يسألون ما الكتابة؟! إنها سكوتٌ أول الأمر ثم انسيابٌ ثم انتشاء يتبعه مقتٌ وتمزيق حتى تشك في الكاتب الذي بداخلك و تتساءل أأنا حقٌ في باطل أم باطلٌ في حق؟! أم أنا صورةٌ في خيال أو أنا الواقع دون هذا الخيال ثم تتلاشى في نفسك.. في دُنياك ثم تتلاشى من كل شيء... ثم تعود لتمسكَ بالقلم لأنك لم تجد منه بُد... وتكتب حتى إذا ما انتهيت عُدت للتمزيق ولكن هذه المرة عدت لتُمزق كل شيء إلا كتابتك لأنك الآن عرفت كُنهَ هذه الآلة وعرفت قداستها.. وعرفت أنّها النعيم وأنها الجحيم وأنها صورة الفردوس وإن كان مفقوداً وأنها حضرة الغياب وإن فُقد فيه كُل أمل وأنها وأنها ... لتبقى « النجاة آخر الأمر». ** **