لكي ينهض المجتمع فلا بد له من عدة عوامل تنتشله من حال السكون والتخلف ليس آخرها القراءة. ولا يكفي أن يكون لدينا أفراد قارئون هنا وهناك ينظر إليهم على أنهم حالات شاذة في المجتمع، بل لا بد من أن يكون المجتمع بقضه وقضيضه قارئاً، بل وحاملاً لهم القراءة والكتب، لأنه (لن يكون هناك بلد متحضر حتى ينفق على الكتب أكثر مما ينفق على شراء العلكة!) كما قال الكاتب والفنان الأمريكي ألبرت هيوبارد، وحتى تصبح (القراءة ليست حدثًا وقتيًّا عابرًا بل سلوكاً متواصلاً يتيح لنهر المعرفة أن يستمر في الجريان دون توقف) كما يقول الدكتور حسين نجار (جامعة الملك عبدالعزيز). لكن ولكي يتحقق ذلك فإننا بحاجة إلى مجموعة من الخطوات والتكتيكات التي تنتظم جميعها في سلسلة واحدة تشكل استراتيجية شاملة للقراءة تهدف في مجملها إلى تحقيق ما يسمى تمكين القراءة في المجتمع. ومن أجل استدامة هذه الخطوات فإن أفضل ما يمكن القيام به هو تأطيرها في قوانين ملزمة تشمل مختلف الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص. وهو ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة التي خطت خطوات جميلة وراسخة على الطريق السريع للقراءة بدأتها باعتماد العام 2016 عاماً للقراءة ثم إصدار القانون الوطني للقراءة الذي صدر في 31 أكتوبر 2016 من قبل رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. ويعتبر مشروع تحدي القراءة العربي الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات مشروعاً رائداً لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي. كما أن لدينا في المملكة عدة بنود في برنامج رؤية المملكة 2030 تتضمن إقامة عدد كبير من الأنشطة والفعاليات الثقافية والفكرية المتعلقة بالقراءة، والتي ستحدث عند تنفيذها بشكل كامل نقلة نوعية في الجانب الرسمي من تمكين القراءة في المجتمع. وقد قامت وزارة الثقافة بإقرار 27 مبادرة ثقافية ما يهمنا منها هنا مبادرة (تطوير المكتبات العامة)، حيث تم إقرار إنشاء 153 مكتبة عامة في جميع أنحاء المملكة بحلول عام 2030، ومبادرة الكتاب للجميع. وعلاوة على الجانب الرسمي فهناك الجانب الفردي والاجتماعي الذي يجب أن يتواكب معه لأن القراءة هي أيضاً مسؤولية الأفراد والمجتمعات، وذلك من خلال أنشطة وممارسات النشاط القرائي في المجتمع على مختلف الصعد والمستويات كافة، ومن خلال القنوات الشعبية. ويمكن الاستفادة من التراخيص الرسمية المتاحة لتشكيل جمعيات ولجان أهلية ضمن مؤسسات المجتمع المدني لتنشيط مستوى القراءة لدى عامة الناس وإقامة مسابقات وتحديات في القراءة تبدأ من المستوى العائلي، ولا تنتهي عند مستوى الوطن، مروراً بمسابقات المدارس والأحياء والقرى والمدن والمحافظات، حيث يمكن بالطبع أن يكون لوزارة الثقافة دور في تشجيع قيام بعض هذه المبادرات. وأخيراً يقال إنه بعد سقوط الأندلس كان المغاربة يقومون بأخذ أسرى من الإسبان ويطالبون بعدها بمبادلتهم بالكتب الإسلامية الأندلسية التي بقيت في الأندلس كتاباً مقابل كل أسير (النفس مقابل الكتاب). ** ** - يوسف أحمد الحسن