يوم 23 سبتمبر من كل عام، تحتفل بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية باليوم الوطني لتوحيدها وهو التاريخ الذي يعود للمرسوم الملكي الذي أصدره المغفور له بإذن الله جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل بتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351ه، يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351ه الموافق للأول من الميزان، ويقابل يوم 23 سبتمبر 1932م. تاريخنا الحديث يبدأ التاريخ الحديث المجيد لبلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية بتأسيس الدولة السعوديّة الأولى على يد الإمام محمد بن سعود عام 1157ه، وبقيت إلى عام 1233ه، وسميت -آنذاك- بإمارة الدرعية، ثم تم تأسيس الدولة السعودية الثانية 1233ه، وبقيت إلى 1308ه وأطلق عليها اسم إمارة نجد، ثم الدولة السعودية الثالثة عام 1319ه على يد جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-. استعادة الرياض وتأسيس المملكة أسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه- المملكة العربية السعوديّة عام 1351ه الموافق 23 سبتمبر 1932م، بعد أن خاض عدة حروبٍ مع الزعامات التي كانت قائمةً بالجزيرة العربيّة والعلاقات فيما بينها غير مستقرة. وقبل تغيير اسم المملكة عام 1932م إلى المملكة العربية السعودية وعاصمتها الرياض، كان قد أعلن في 27 يناير 1927م، عن قيام مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وملكها عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ولها عاصمتان هما مكةالمكرمةوالرياض، وبقراءة تاريخ تطور المملكة العربية السعودية حتى وصلت إلى اسمها وموقعها التاريخي، سنجد أن جمهور المؤرخين قسموا تاريخ آل سعود إلى ثلاث فترات: فترة التكوين والتأسيس باسم الدولة السعودية الأولى، ثم الدولة السعودية الثانية، والدولة السعودية الثالثة عام 1932 عندما تم إعلان قيام المملكة العربية السعودية بحدودها الراهنة. ويتحدث المؤرخ ابن بشر عن اتفاق الدرعية التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب حيث يقول: (سار الأمير محمد بن سعود ودخل على الشيخ في بيت ابن سويلم، فرحب به وقال: أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعز والنعمة فقال له الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم، فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وأنت ترى نجداً كلها وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة والقتال لبعضهم بعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك، فالدولة السعودية الأولى حملت اسم إمارة الدرعية، وحمل حكامها لقبي الأمير والإمام، وكانت عاصمتها الدرعية وتوالى على حكمها محمد بن سعود (1744- 1765)، وعبدالعزيز بن محمد بن سعود (1765- 1803)، وسعود بن عبدالعزيز (1803- 1814)، و»عبدالله بن سعود» (1814- 1818). أما الدولة السعودية الثانية (1818- 1891) فقد حملت اسم إمارة نجد، وحمل حكامها لقبي أمير وإمام، وكانت عاصمتها الرياض، وبدأت أحداث الدولة السعودية الثانية عقب انهيار الأولى، ففي عام 1820 غادر الأمير تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود الرياض، وكان أميراً عليها منذ عام 1818، وبدأ في الإعداد لبناء الدولة السعودية من جديد على الأسس نفسها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، ليبدأ حكمه سنة 1824 عقب استسلام الحامية المصرية بالرياض، التي اتخذها عاصمة لدولته، وتتوالى الأحداث ويخلفه فيصل بن تركي الذي بدأت فترة حكمه الأولى عام 1834، وتلت ذلك أحداث مؤثرة حتى عام 1843 وهو العام الذي تمكن فيه فيصل بن تركي من الهروب من سجنه في مصر، وبدخول فيصل إلى الرياض عام 1843 بدأ فترة حكمه الثانية، في 11 ديسمبر عام 1865 توفي فيصل بن تركي وعصفت الفتن الداخلية والمؤامرات الخارجية بالبلاد، ومعها انتهى عصر الدولة السعودية الثانية. أما الدولة السعودية الثالثة (1902- 1932) فحملت اسم إمارة نجد والأحساء حتى عام 1921، ثم اسم سلطنة نجد حتى عام 1922، ثم سلطنة نجد وملحقاتها حتى عام 1926 عندما حملت اسم مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها، وبعد عام تغير الاسم إلى مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها حتى عام 1932 ليتم إعلان قيام المملكة العربية السعودية بحدودها الراهنة، وبدأت حكاية الدولة السعودية الثالثة بخروج الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (الملك المؤسس) على رأس حملة صغيرة من ستين رجلاً من أقاربه وأنصاره باتجاه الرياض لينجح في السيطرة عليها فبايعه أهلها في 15 يناير 1902. البناء والتنمية بعهد المؤسس توجت جهود جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وجهاده -طيب الله ثراه- بالإعلان الصادر بتاريخ السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351ه الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م، حيث صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم (المملكة العربية السعودية) اعتباراً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351ه الموافق 23 سبتمبر 1932م (الأول من الميزان)، فتوَّج هذا الإعلان جهود الملك عبدالعزيز العظيمة الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، وتم تحديد يوم الأول من الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر ليصبح اليوم الوطني للمملكة، وبهذا الإعلان تم تأسيس المملكة العربية السعودية التي أصبحت دولة العظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية. بدأت مراحل التأسيس والبناء في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- منذ دخوله الرياض عام 1319ه (1902م)، حيث تركزت على الجوانب الدينية والإدارية والعسكرية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد أسس الملك عبدالعزيز العديد من المؤسسات الإدارية منها: المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى وإدارة المقاطعات ورئاسة القضاء والمحاكم الشرعية ووزارة الخارجية ووزارة المالية ووزارة الدفاع ووزارة المواصلات ووزارة الصحة ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وغيرها من الوزارات والإدارات المتعددة، كما شملت عناية الملك عبدالعزيز في مجال التنظيم تطوير الخدمات المقدمة للحجاج، حيث أمر بتوسعة الحرمين الشريفين وتأسيس المديرية العامة للحج وإنشاء المحاجر الصحية والطرق ووسائل المواصلات المتعددة، وفي آخر حياته أنشأ الملك عبدالعزيز مجلس الوزراء ليكون خاتمة إنجازاته الإدارية والتنظيمية، كما أن من أبرز إنجازات الملك عبدالعزيز توطين البادية، وتأسيس الهجر الذي نتج عنه تكوين مناطق استقرار عديدة في أنحاء المملكة لعدد من القبائل التي اتجه أفرادها إلى أعمال الزراعة والتجارة وإحياء الأراضي التي استقروا بها حتى أصبحت حواضر مزدهرة، ويعد مشروع التوطين هذا من أبرز المشروعات المتعلقة بالتطور الاجتماعي في المنطقة الذي حقق نتائج عظيمة في حياة المجتمع البدوي وفي ازدهار المنطقة عمرانياً وسكانياً. ومن ملامح التأسيس والبناء في عهد الملك عبدالعزيز غرسه مبدأ المشاركة للجميع حيث أقبل الناس على تجهيز أنفسهم للمشاركة معه في توحيد البلاد إيماناً بهدف عبدالعزيز في التوحيد ونبذ الفوضى، ومن نتائج هذه الظاهرة هذه الوحدة العظيمة بين أبناء المملكة التي شهدتها البلاد ولا تزال تشهدها إلى اليوم، ومن إنجازات الملك عبدالعزيز: عنايته بالتعليم، ونشر المعرفة من خلال تشجيع طلاب العلم، وتأسيس المدارس وإصدار الأنظمة الخاصة بها، ونشر المؤلفات وتوزيعها، وانطلاقاً من حرص الملك عبدالعزيز الشخصي على الاستزادة من مناهل العلم والمعرفة قام بتشجيع تطور التعليم ومؤسساته وإنشاء المكتبات وإتاحة الكتب للجميع، وتعد مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصة والمحفوظة اليوم في دارة الملك عبدالعزيز بالرياض والمؤلفات التي طبعت على نفقة جلالته في أنحاء العالم العربي والإسلامي وظهور المدارس وازدهار الحركة العلمية في المنطقة من أبرز الأدلة على عناية الملك عبدالعزيز بجوانب العلم والمعرفة. ولدعم مكانة الدولة السعودية على الساحة الدولية السياسية والاقتصادية فقد كان للملك عبدالعزيز إسهاماته المشهودة في هذا المجال رغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالمنطقة بتلك الفترة خصوصاً سيطرة عدد من الدول العظمى على الكثير من المناطق بالعالم العربي، فرغم هذه الظروف تمكن الملك عبدالعزيز من انتهاج سياسة خارجية واضحة اعتمدت على مبادئ عظيمة تتصل بأهداف الدولة السعودية ومنهجها القائم على تأسيس دولة قوية تساند الدعوة وتستند إليها، ولا تفرط في حقوقها أو منطلقاتها، وتحقق مصالح الدولة السعودية والدول العربية والإسلامية، والمطلع على مواقف الملك عبدالعزيز وسياسته الخارجية يجد أن قضايا العرب والمسلمين استحوذت على حيز كبير من اهتمامه وأخذت الأولوية على احتياجاته الداخلية ومصالح دولته ويعكس هذا موقف الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده تجاه القضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال تشكل محوراً أساسياً ومهماً في السياسة الخارجية السعودية، ويعد دعم الملك عبدالعزيز لتأسيس جامعة الدول العربية وتأييده لاستقلال العديد من الدولة العربية والإسلامية شاهداً على أن هذه السياسة تعد من الثوابت السعودية إلى اليوم، ومن الناحية الاقتصادية فقد شهدت المملكة العربية السعودية ظهور النفط وتطور صناعته واستخراج المعادن وازدياد حركة التجارة والعلاقات التجارية الدولية. ولقد استفاد الملك عبدالعزيز من وسائل التقدم والتطور التي ظهرت في الدول الغربية وقام بجلبها إلى المملكة وتوظيفها في خدمة التطور الحضاري الذي أرسى قواعده بفضل سياسته الحكيمة المبنية على الأخذ بأسباب الحضارة والتقدم ضمن معايير المبادئ الإسلامية والتقاليد الاجتماعية التي تقوم عليها الدولة السعودية ونتج عن سياسة الملك عبدالعزيز تطور الدولة السعودية في شتى ميادين الحياة مع الاحتفاظ بمبادئها وأسسها الدينية والاجتماعية محققاً بذلك أعظم معادلة متوازنة بين الأصالة والمعاصرة. ومن أهم الإنجازات التي تسجل بمداد من ذهب بتاريخ موحد المملكة جلالة الملك عبدالعزيز هو إرساء الأمن بالمملكة العربية السعودية، حيث أصبحت الطرق والمدن والقرى والهجر تعيش في أمن دائم، كما أسس الملك عبدالعزيز الأنظمة اللازمة والمؤسسات الأمنية وعلى رأسها تطبيق الشريعة الإسلامية، وردع جميع المحاولات التي تمس استقرار الناس وممتلكاتهم، وأصبحت المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز ذات مكانة دولية خاصة، حيث انضمت إلى العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية، نتيجة لموقعها العظيم ورسوخها، بل كانت من أوائل الدول التي قامت بتوقيع ميثاق هيئة الأممالمتحدة عام 1364ه (1945م) وأسهمت في تأسيس العديد من المنظمات الدولية التي تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار والعدل الدولي مثل جامعة الدول العربية في عام 1364ه (1945م). وبعد وفاة الملك عبدالعزيز في الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373ه الموافق للتاسع من شهر نوفمبر عام 1953م، سار أبناؤه على نهجه، واستكملوا مسيرة التأسيس والبناء وفق المبادئ السامية التي تستند عليها الدولة السعودية.