يبدو أن أمانة الرياض قررت خوض غمار تحدٍّ جديد في أسلوب «إدارة المدن بمشاركة سكانها». هذه المرة البوصلة تتجه إلى استثمار المواهب والطاقات الإبداعية للمشاركة في صنع مستقبل الرياض كما جاء في مفردات إعلانها عن مسابقة تطوير موقع جبل «أبو مخروق» في حي الملز. هذا الإعلان يبدو بديهيًّا من الوهلة الأولى كغيره من المسابقات المعمارية والعمرانية إلا أن الأمر مختلف تمامًا في هذه النسخة الجديدة، بل هي حالة فريدة على مستوى مدينة كبرى مثل العاصمة الرياض. من السهل جدًّا أن تكلف استشاريًّا لإدارة مسابقة معمارية وعمرانية، وتوجِّه نطاق المنافسة إلى شركات ومكاتب عالمية كبرى متمرسة في هذا المجال، وقد لا يعلم بعضها في أي قارة هي الرياض، وينتهي الأمر حينها بفوز إحداها، ويتم تصميم المشروع وتنفيذه، وأخيرًا دفع مستحقات الاستشاري، ويغادر إلى بلده وكأن شيئًا لم يحدث، ويبقى تأثير هذا المشروع «معرفيًّا» محدودًا دون أي أثر يُذكر على المناخ المعماري والعمراني المحلي. التفرد والاختلاف في تجربة أمانة الرياض حول المسابقة التي طرحتها مؤخرًا لتطوير موقع جبل (أبو مخروق) التاريخي، والمرتبط بحياة مؤسس المملكة، كان واضحًا وجليًّا في الهدف الذي أوردته الأمانة ضمن تسويقها لهذه المبادرة الموجَّهة إلى المكاتب الهندسية والاستشارية المحلية، وإلى الطلاب والطالبات، وإلى فِرق العمل والأفراد، بمنحهم الفرصة الكاملة لإبراز قدراتهم، وتطوير مهاراتهم، وإشعارهم بأنهم مكوِّن رئيس في إدارة المدينة بشكل «عملي»، والإشارة إلى أن الهدف لم يكن محصورًا في تطوير الموقع بحد ذاته. كما أن اللافت في الأمر أن تنظيم المسابقة الذي كان احترافيًّا بدرجة كبيرة قد تم على أيدي أبناء الأمانة، وبشكل مباشر، واستطاعوا من خلالها أن يقدموا أنفسهم بصورة مشرفة، وبشكل ممنهج ومحترف، وبجهد ذاتي بحت. الحراك المعماري والعمراني المحلي الذي أحدثته أمانة الرياض الفترة الماضية في أوساط المتخصصين والأكاديميين والمهنيين والتنفيذيين، وحتى الهواة في مجال العمارة والعمران، تجربة فريدة جدًّا، وتستحق الإشادة، وتسليط الضوء عليها؛ فتأثيرها كان كبيرًا، وملهمًا، ومصدر شغف، ونقطة جذب واهتمام لمجموعة كبيرة من الناس، وحتمًا ستكون «نواة» لانطلاقة الكثيرين منهم، وتحسين أدائهم، واكتشاف أنفسهم.. وسيدين لها الأغلبية بالفضل ممن كانت لهم بمنزلة الدافع والمحفز لمواصلة الطريق. دائرة التأثير تلك لن تتوقف عند هذه المسابقة فحسب؛ بل ستمتد إلى نطاق أبعد بكثير، سيظهر في قادم الأيام. نعم، لقد كانت هذه المبادرة قرارًا جريئًا ومسؤولاً نحو إشراك القدرات والمواهب والكفاءات المحلية «الكامنة» التي كانت في انتظار مثل هذا الحدث المنصف جدًّا لها، ومنح أبناء وبنات البلد الثقة والمسؤولية للمنافسة، وستكون نتائجه مبهرة ومفاجئة للجميع. شكرًا أمانة الرياض.