ما أجمل الماضي، الماضي الجميل، الماضي المنقوش في أعماق ذاتي ونفسي، الماضي الذي يلازمني حيث أكون، الماضي الذي أحن إليه وأحن إلى عودته لكن هيهات الزمن لا يعود للوراء، نحن أجسامنا تعود للوراء إلى خريف العمر، الزمن الجميل هل هو حنين للماضي أم هروب من الواقع لكي أكون واقعيا لست من مؤدي عبارة (الزمن الجميل) فكل زمن له جماله وكل جيل له حياته التي تتطور مع مرور الزمن، ربما هذا الزمن بعد جيل من الزمن يصبح الزمن الجميل. لا شك أن الماضي يصبح جذاباً ويشتد الحنين إليه، أحِن إلى حي الشريمية، أحن إلى صبايا إلى طفولتي وترعرعي ودراستي في مدرستي الابتدائية السعودية ومتوسطة فلسطين وثانوية عنيزة الوحيدة آنذاك. أحن لسراجي الذي كنتُ أذاكر على نوره، أحن إلى التريك الذي يملأ بيتنا نوراً مع نور أمي -رحمها الله-، أحن إلى سطح بيتنا حيث كنت أذاكر، أحن إلى جهاز الراديو الذي أذاع اسمي مع الناجحين من ثانوية عنيزة. أحن إلى أصدقائي والجلوس معهم، أحن إلى الدنانة واللعب بها (والدنانة عبارة عن كفر الدراجة أوما شابه ذلك، ويقوم الطفل بدحرجتها بقضيب يعكف رأسه، ويحدث ذلك صوتاً بعد الدحرجة مما يجعل الطفل يستمتع بهذه اللعبة الشعبية المسلية). أحِن إلى أول كشته قمنا بها مع أعمامي إلى الوادي أتردد ذكر كيف وصلنا إلى هناك. أحن إلى لعبة الطزق أولعبة الكعابة. أحن إلى لعبة أم تسع وكم لعبتها وربحتها وخسرتها. أحن إلى لعبة كرة الطائرة بعد صلاة الفجر خصوصا في شهر رمضان. أحن إلى الصنقر والصعود إلى قمته. أحن إلى مجلة هنا لندن الذي كنتُ استلمها بصفة شهرية في متوسطة فلسطين. أحن إلى النوم في السطح حيث كان الفراش بارد والسماء صافية. أحن إلى رؤية ماء المطر ينزل من المثعب (المثعب جمعه مثاعب وهو عبارة عن أداة تصنع من صفيح الحديد المطاوع، ومنها ما يصنع من خشب الأثل ومثاعب أخرى تصنع من القطع الحجرية. وتستخدم المثاعب لغرض تصريف مياه الأمطار من أسطح المنازل). أحن شرب الماء من القربة، أحن إلى الصهروج، أحن إلى الروشن، أحن إلى أكل لحم القفرة (هو نظم قطع اللحم في عقد بواسطة خيط وإبرة) أحن إلى تمر الجصّة («الجصّة» بتشديد (الصاد) بناء صغير يقارب ارتفاعه المترين وبعرض المتر تقريباً، وله باب صغير في مقدمته وفتحة صغيرة بأسفله، يسيل من خلالها (الدبْس). الحاضر جميل لكن الماضي أجمل بطيبة أهله وتماسكهم وقربهم من بعض وثقتهم ببعض ومعرفتهم لبعض وسؤالهم عن بعض وتواضعهم وحبهم لبعض. وختاماً أحن إلى حضن أمي وصوتها وزبيل التمر الذي بيدها- رحمها الله-، وصورة أبي وهو يقلب مفتاح الراديو يبحث عن الأخبار السياسية في ذلك الوقت كم كان سياسيا من الدرجة الأولى رحمه الله.