ركض بين ميادين الإنسانية والمهنية.. فحقق التوازن بين قلب رحيم وقالب حكيم.. فكان الفاعل المرفوع بالهمة.. والضمير المتصل لأفعال «الصواب» «والمستتر عن مكامن» الأخطاء. ترك «الإنجازات» مشرعة على «أسوار» «الواقع» وأبقى «البصمات» ثابتة في «أغوار» «الوقائع».. فكان القاسم المشترك الأكبر لعطايا «الأُثر» في متون «القيادة» وفنون «الريادة» بروح «الحكمة» وبوح «الرحمة» ليلبس رداء «البر» ويرتدي لباس «الأجر» ماضياً يجني ثمار الدعوات من «بذور» «البركات».. إنه معالي مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأسبق المربي والمفكر الدكتور غازي عبيد مدني رحمه الله أحد أبرز القيادات التعليمية والأكاديمية في الوطن. بوجه مديني عالي المطامح أبيض الملامح.. أليف المحيا.. وسحنة مألوفة تتقاطر منها علامات التهذيب تكسوها علامات المشيب وعينان كحيلتان واسعتان تسطعان من خلف نظارة أنيقة لا تفارقه وشارب ولحية زادته بهاءً وزهاءً مع أناقة وطنية تعتمر البياض وقامة متوسطة وكاريزما تتوارد منها مشاعر النبل ومساعي الفضل مع صوت جهوري مكتظ بالبيان مشفوع بالأمان.. تملؤه عبارات «الإدارة» وتكمله اعتبارات «الإرادة» وتسمو فيه اللهجة «البيضاء» في المجالس العامة وتشدو وسطه اللغة «العصماء» في المراسم الرسمية ولكنة حجازية «المخارج» تنطق بحروف «الاعتزاز» ووصوف «الانجاز» قضى مدني من حياته عقوداً وهو يملأ قاعات التدريس بالمعارف ويكمل ساعات الزمن بالمشارف ويؤسس للأجيال أركان «الاقتداء» ويورث للامتثال أسس «الاحتذاء». في المدينةالمنورة ولد وتشربت نفسه «رياحين» الطمأنينة وتعتقت أنفاسه بياسمين السكينة.. وتسابق مع أقرانه بين أحياء المدينة منجذباً إلى «نداءات» الحق في مكبرات المسجد النبوي متجاذباً مع «إضاءات» اليقين في منصات المحفل المديني.. فكبر يرتب «مواعيد» النضج على «بوابات» الحنين ويردد «أناشيد» الفلاح أمام «أبواب» «الطين» مراقباً رقي «الصنيع» في وجه والده وارتقاء المعروف في طلة والدته.. فنشأ مشفوعا بإمدادات «المعرفة» في جوف «التربية» مسجوعاً باسنادات «الثقافة» في عقر «الأسرة».. فاكتظت ذهنيته بموقع «أبيه» من «أسراب» القوم حيث تلحفت ذاته «الإعجاب» باكراً بذلك التاريخ البشري والجغرافيا النفسية في سيرة «أب» كان كتاباً «آدمياً» يوزع إهداءاته على خارطة الذاكرة. تكامل مدني مبكراً إلى «الإبداع والإمتاع» في «قصائد» المدنيات التي كان «إرثاً» تم توزيعه على نية «الوفاء» للأب و»الاستيفاء» للمرحلة. نال مدني تعليماً عاماً سديداً ليطير إلى مصر حيث حصل منها على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة القاهرة. ثم حصد درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة أريزونا في ذات التخصص. بدأ غازي مدني حياته العلمية مديرًا لإدارة المتابعة بالمؤسسة العامة للبترول والمعادن، وعمل أستاذًا مساعدًا بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز، وترقى حيث أصبح عميدًا للكلية عام 1399ه، وأسس أول مركز متخصص في مجال الاقتصاد الإسلامي بالجامعة عام 1400ه، وعين مديرًا له ورئيسًا لمجلس إدارته حتى عام 1403ه، ثم وكيلاً لجامعة الملك عبدالعزيز من 1403 - 1405ه وعضوًا بالمجلس العلمي للجامعة حتى 1414ه، ورئيسًا للجنة الترقيات، ليتولى أرفع منصب أكاديمي بتعيينه مديرًا لجامعة الملك عبدالعزيز عام 1416ه ثم تم التجديد له لفتره ثانية 1420ه، وتولى في هذه الأثناء رئاسة مجلس إدارة مكتبة الملك فهد بجدة. وقد نقل الجامعة إلى مستويات ومراكز متقدمة في مجالات الأداء ومؤشرات التطوير الأكاديمي والعلمي والاستراتيجي. وانتخب رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة المدينة للصحافة والطباعة والنشر لمدة عشر سنوات، قاد فيها حركة التطور والتجديد. وهو عضو فاعل في عدة جهات وهيئات علمية وخيرية واستشارية وتم تكريمه في عدة مناسبات. انتقل غازي مدني إلى رحمة الله في شهر رجب عام 1438 ونعته الأوساط الرسمية والوسائط المجتمعية وبكته القلوب وفقدته الأنفس بعد رحلة حافلة بالخير جديرة بالتقدير والتعبير والتسطير وأورث لعائلته ومجتمعه «أرصدة» الشرف و«خزائن» القيم.. وووري جثمانه في بقيع الغرقد الطاهر في طيبة الطيبة التي ولد بها وعاش فيها وعشق ثراها واستنشق هواها. شد غازي عبيد مدني رحاله بين قمم «المسؤوليات» ليوزع «رحيق «الخبرة على «حقول» التخطيط.. وينثر «أريج» الموهبة على «حلول» التدبير.. فكان «سادن» المعالي و«خازن» العلا الذي وقف المنصفون «احتراماً» لنفعه و»إجلالاً» لمنفعته.. ورحل وبقى ذكره العاطر بالتميز وفكره المعطر بالامتياز في شؤون «المعاني» وشجون «التفاني».