أنت طبيب نفسك الأول، وصيدلية هيكلك المحمول، وعلاج نفسك الفعال، ليست مجرد كلمات أقولها أو طاقة فارغة أبعثها لك؛ لكنها حقيقة تطرق لها الدكتور علي الوردي في كتابه خوارق اللاشعور، فقد أشار لأهم وأعظم سر للنجاح ألا وهو قوتك النفسية، نلاحظ غالباً كيف لاثنين يملكان نفس المقومات ويتخصصان في نفس المسار العلمي أحدهما يتفوق والآخر يجتاز فقط، كيف لاثنين يعملان في نفس المكتب ويبذلان نفس الجهد لكن أحدهما يتطور ويتقدم والآخر يبقى على حاله، وفي الواقع أمثلة كثيرة نعزيها غالباً للحظ أو سوءه ونردد فلان محظوظ لكننا نعجز عن تفكيك مفهوم الحظ واستيعابه وهي في الحقيقة طاقته النفسية التي مهدت ذلك، لا يعني هذا أن نقلل من ضرورة العمل والتخطيط، لكن أيضاً لا نستبعد دور الطاقة النفسية الموجود دائماً، فحين تعتزم البدء بأمر وتهمل ثقباً أحدثه تفكيرك بالفشل فلا بد للفشل أن يدخل منه! لأنك تلقن نفسك تلك الأفكار دون أن تشعر، وهي في المقابل تستجيب دون أن تشعر أيضاً.. فمسارك الذي تمشيه دون إدراك هو صوت أفكارك الداخلي فأنت بها تشحن ذاتك نحوها كيفما كانت جيدة أم سيئة.. وفي خطاب الله تعالى لأصحاب رسوله الكريم حين قال: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) سورة الحجرات (7) نستطيع أن نستشف أن التوفيق مرتبط بما أحببناه واتبعناه، فلولا أن الله حبب الصحابة بالإيمان لما كان محور تفكيرهم مما دفعهم للإيمان وكان ذلك نتيجة تفكيرهم بأمر يحبونه دون أن يكون هناك نوع مضاد من الأفكار قد يضعف هذه القوة لأنه سبحانه قد كرّه الكفر إليهم مما صرفهم عن التفكير فيه.. لذلك قد نجد حولنا نماذج كثيرة لأشخاص نقول عنهم موفقين بفضل الله، وآخرين متعطلين عن ركب الحياة وكل ذلك بعد الله عائد لذواتهم، من السيئ أن نستهين بهذا الأمر ونركن حياتنا للصدفة دون وعي وتفكير وتلقين مستمر للذات بما نريد، بتركيزنا على أمور الحياة وعلى أشخاص مختلفين نجد أن الأهمية أو الثانوية أمور نسبية تختلف من شخص لآخر، فمثلا أحدهم ينظر للسفر كأمر ضروري وآخر يراه ثانوي، وهكذا تتقلب النظرات تجاه أمور عدة كالدراسة أو التجارة أو العمل، كذلك في نظرتنا للأشخاص فنحن من نكبرهم ونحن من نصغرهم! وكل هذا عائد لتكرار أفكارنا، فكل فكرة نكررها داخلنا دون أن نشعر نجدها مع الأيام أصبحت أمراً ضرورياً والعكس صحيح كذلك، مهد قناعاتنا أفكارنا لذلك الأفكار هي ما تصنع حياتنا.. من هنا أحببت أن أشير إلى أمر عميق مرتبط بذلك كله، يقول المصطفى عليه السلام: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)، إشارة إلى أن أحد ضمانات تحقق مطالبك هو اليقين، وتشير خلاصة مفاهيم القواميس اللغوية بأن اليقين هو العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر وهو خالص الحق وأصحه، وأورد الجرجاني: بأن اليقين طُمأنينة القَلْب، على حقيقة الشيءِ وتحقيق التصديق بالغَيْب، بإزالة كلِّ شكٍّ ورَيْب، تلك السريرة الخالصة النقية المتكلة على من يدبرها دون خوف وتردد ودون أي ملابسات سلبية هي ما تمنح الفرد الوصول دائماً في دينه أو دنياه، وهذا حقيقة مضمار التنافس الحقيقي بين المتفوقين، وهذا هو السر الحقيقي خلف ما نلقبه بالحظ الجيد، وهذا منبع البركات التي ترافق المباركين، فاللهم اجعلني مباركاً أينما كنت. ** **