تقدمت هيئة المحاسبين القانونيين مؤخراً بطلب الموافقة على استثناء المحاسبين القانونيين من أحكام المادة الثامنة عشرة من نظام المحاماة والخاصة بمن يحق لهم الترافع عن الغير أمام المحاكم أو اللجان القضائية. وكان تعليل هيئة المحاسبين القانونيين لتقديمها هذا الطلب أن قصر تمثيل المكلفين أمام اللجان الزكوية والضريبية على المحامين دون غيرهم يترتب عليه تحميل المكلفين أعباء مالية إضافية من خلال تعيين محامين يحتاجون إلى وقت لفهم الوضع الزكوي والضريبي للمكلفين. وقد ردت الجهات العليا بعدم الموافقة على هذا الطلب، بعد تشكيل لجنة مختصة لدراسته التي أوصت بعدم قبوله، والذي على إثر ذلك صدرت التوجيهات باعتماد التوصية والعمل بها. حيث جاء في رد اللجنة المشكلة لدراسة هذا الطلب أن تسبيب هيئة المحاسبين القانونيين ليس كافياً للموافقة على طلب الاستثناء، لأن نظام المحاماة أجاز توكيل الفرد للترافع عن الغير إلى حد ثلاث قضايا، وهذا الأمر ينطبق على مكاتب المحاسبين القانونيين والمستشار الزكوي وغيرهم. وتعليقاً على ما سبق فإن رفض الجهات العليا لطلب المحاسبين القانونيين يوافق ويستند على ما جاء من أحكام في نظام المحاماة، ويوافق أيضاً مفهوم الاختصاص في توزيع الاختصاصات المهنية، بما يكفل تمكن كل مختص بمهنته التي يختص بها بمهارة وخبرة. ومن جهة أخرى فإن رفض هذا الطلب يكفل الحماية لحقوق المكلفين في أن يوكل لمهمة الترافع عنهم مختص مهنته الأساسية القيام بالترافع والمدافعة عن الغير أمام الجهات القضائية. فكما هو معلوم أن من أهداف سن الأنظمة هو تنظيم التعاملات وضبطها بكافة المجالات واستقرارها تحت إطار محكم وواضح ومفهوم لا يستثنى منه أحد. ومن بين تلك الأنظمة النظام الخاص بمهنة المحاماة والنظام الخاص بمهنة المحاسبين القانونيين، وكل نظام منهما له أحكام تختلف عن الآخر، وذلك وفق طبيعة اختصاص عمل كل مهنة، فمن بين تلك الأحكام نوع التخصصات الدراسية والشروط الواجب توافرها للترخيص لمزاولة هذه المهنة. فالواقع هنا أنه لا يمكن للمحامي أن يقوم بمراجعة حسابات شركة مساهمة أو بنوك، وكذلك في المقابل أن يقوم المحاسب القانوني بالترافع أمام المحاكم واللجان القضائية. فالمحاسب القانوني ليس لديه الإلمام الكافي بالنواحي الشرعية والقانونية فيما يخص الترافع عن الغير أمام الجهات القضائية، وليس لديه الخلفية في سرد الوقائع المنتجة في الدعوى، وقد يكون في الدعوى مخالفات شرعية أو نظامية يستوجب الدفع بها فور البدء في الترافع، أو دفع شكلي يجب إبداؤه بها قبل الخوض بأي دفع موضوعي وإلا سقط الحق بالدفع به. ولا يكفي الإلمام بالدفوع الموضوعية في الدعاوي وتقديمها مباشرة، فتلك الدفوع لها استراتيجيات معينة وأحكام خاصة تحكمها بعد دراسة الدعوى والأنظمة المتعلقة بها للمحامي الخبرة في اتخاذ القرار الصحيح فيها، سواء أكان هذا القرار في هل من مصلحة موكله الدفع بها أو غير ذلك، ولا يقل أهمية عن ذلك التوقيت في أي وقت أثناء سير الدعوى يتم فيه تقديم الدفع الموضوعي. ومن أمثلة الدفوع التي لاحصر لها وتتطلب خبرة المحامي، الدفع بعدم الاختصاص أو الدفع ببطلان صحيفة الدعوى أو الدفع بفوات المدة، وكذلك الخبرة في تقديم البينات ووسائل الإثبات والطعن فيها، وغيرها من الخبرات التي يتمتع بها المحامي في مجال اختصاصه. وإن أردنا التعمق فيما تتضمنه الأنظمة من أحكام وما يخفى على المحاسبين القانونيين في هذا الموضوع لعدم تخصصهم فيه فإنه سيطول الحديث عنه ولا يسعه مقالنا هذا. والجدير بالذكر هنا أن الأصل في المرافعة هو أن تكون علنية، ولذلك يستطيع المحاسب القانوني الحضور مع المحامي عند الترافع في الدعوى وتقديم رأيه المحاسبي مباشرة أثناء انعقاد جلسة النظر الدعوي. وخلاصة القول إن المنظم عندما سن تلك الأنظمة فإنها صدرت بعد دراسة محكمة راعت كافة الجوانب لتكون مخرجاتها وأثرها القانوني وفق تنظيم واضح ومنسق ومناسب لجميع الجهات المختصة كل حسب اختصاصه بما يكفل سير التعاملات وفق المسار الصحيح دون تداخل أو تعارض من أجل الاستقرار التشريعي. ** ** سلطان سليمان الأحمدي الحربي - محام ومستشار قانوني