الحديث ليس عن فترة قصيرة لأسابيع أو شهور لأنه لا يقاس عليها كثيرًا إنما لسنوات قادمة إذ يبدو أن السيولة الاستثمارية ستبحث عن الفرص في السوق المالي المحلي فحجم المعروض النقدي في الاقتصاد المحلي ضخم وغير مسبوق وأسعار الفائدة منخفضة جدًا، بل لأول مرة تهبط أسعار السايبور. أي الفائدة بين البنوك دون 1 في المائة مما يدل على أن تكلفة الاقتراض منخفضة جدًا وأن الكثير من الأوراق المالية بسوق الأسهم توزيعاتها السنوية أعلى بكثير من أسعار الفائدة أي أنها فرص أفضل من الودائع وهو من معايير القياس والمقارنة الرئيسة في تقييم الفرص الاستثمارية فأزمة كورونا التي تم مواجهتها عالميًا بحزمة واسعة من الإجراءات لاحتواء آثارها الاقتصادية السلبية هي أيضًا التي تلعب دورًا كبيرًا في توجهات السيولة التي ضختها البنوك المركزية التي تجاوزت التسعة تريليونات دولار ومن المتعارف عليه أن جزءًا من هذه السيولة ستتوجه لأسواق المال والسلع خصوصًا مع سعر فائدة صفري على الدولار وسيتبادر سؤال لدى الكثيرين ما الذي سيدفع السيولة باتجاه السوق المالية وللأسهم تحديدًا لأنها جزء من السوق المالية التي تضم أسواقًا أخرى لأدوات الدين ومنتجات مالية عديدة، فلو نظرنا لحركة أسواق الأسهم عالميًا بعد تفشي وباء كورونا كيف عادت من كبوتها لتحقق مستويات قياسية جديدة لم تصلها قبل الجائحة وعلى رأس تلك الأسواق «ناسداك» الذي تجاوز 10600 نقطة وارتفعت أسعار الأسهم فيه لمستويات غير مسبوقة وسجلت أرقامًا تاريخية جديدة، فهناك أربع شركات مدرجة في الأسواق الأمريكية تخطت قيمة كل واحد منها تريليون دولار ويبلغ مجموع قيمتها السوقية نحو 6 تريليونات دولار وهي شركات أبل ومايكروسوفت وأمازون والفابيتا الشهيرة باسم (جوجل) فهذه القيمة تعادل أكثر من 21 في المائة من حجم الناتج الإجمالي لأمريكا ونحو 45 في المائة من الناتج الإجمالي للصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي وتفوق بحجمها الناتج الإجمالي لثالث اقتصاد عالمي اليابان المقدر بنحو 5 تريليونات دولار، بل تعادل هذه القيمة نحو 35 في المائة من الناتج الإجمالي للاتحاد الأوروبي الذي يضم اقتصاديات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا التي تعد من بين الدول العشر الأكبر في الاقتصاد العالمي كما شاهدنا مع هذه الأرقام الجديدة في أسواق المال ارتفاعًا في الذهب لمستويات لم يصل لها منذ عام 2011 م ولم يعد يفصله عن قمته التاريخية السابقة عند 1920 دولارًا للأونصة إلا ارتفاع بنحو 6 في المائة أما أسواق السلع وعلى رأسها وأهمها النفط فمن الواضح زخم السيولة فيها بالرغم من أن الاستهلاك العالمي للنفط لم يعد لمستوياته قبل أزمة كورونا لكن حجم السيولة الضخم في الأسواق وتراجع الدولار نتيجة الضخ الهائل ببرامج التيسير الكمي والفائدة الصفرية هو ما يعزز هذه التوجهات لسياسة وعاء القيمة كما حدث بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 م. لكن الفوارق هذه المرة مختلفة عن تلك الأزمة ببعض الجوانب لأن عودة الاقتصاد العالمي للتشغيل الكامل مع إزاحة عوامل القلق والخوف من الوباء ستأخذ وقتًا خصوصًا في قطاعات السياحة والترفيه وحتى ذلك التاريخ فإن توجه السيولة غالبًا سيكون لأسواق المال والسلع والذهب والإشارات الأولية لذلك نراها شاخصة حاليًا ولن يختلف الوضع في الاقتصاد المحلي كثيرًا عن الاقتصاد العالمي وما يحدث فيه فإذا كانت الصناعة ستزدهر في السنوات المقبلة بعد أن أظهرت الجائحة ضرورة زيادة الإنتاج المحلي بكل الدول لسلع ومنتجات عديدة فإنها لن تستقطب هذا الكم الهائل من السيولة، كما أن القطاعات التي تستوعب السيولة الضخمة كالعقار لن تكون بالزخم السابق نفسه وسيكون الاتجاه نوعيًا ولذلك سيكون غالبًا مسار فائض السيولة الضخم لدى الكثيرين نحو السوق المالية ومن الملاحظ ارتفاع متوسط التداولات اليومية الذي يتخطى 5 مليارات ريال يوميًا، بينما كان في السنوات الماضية دون 3 مليارات ريال يوميًا وما انضمام سوق المال السعودي للمؤشرات العالمية للأسواق الناشئة مثل «مورجان ستانلي» و»فوتسي» إلا عامل دعم إضافي لتحسن موقع السوق في الخريطة الاستثمارية محليًا وعالميًا ليكون خيارًا رئيسًا للمستثمرين يضاف لذلك التنوع في قطاعات السوق، فالاندماجات بين البنوك التي حدثت أو يتم دراسة بعضها الآن تمثل تحولاً مهمًا في هيكلة السوق وجذب الاستثمارات له وبالضرورة ستتجه بنوك أخرى للخطوات نفسها أو لرفع رؤوس أموالها لتواكب التوسع في سوق التمويل داخليًا، إضافة للحدث الأهم المتمثل بإدراج عملاق صناعة النفط العالمي وأكبر شركة من حيث القيمة السوقية في العالم شركة أرامكو ومع زيادة الوتيرة بالتوجه للخصخصة وإعطاء القطاع الخاص مزيدًا من الأدوار في الاقتصاد المحلي فإن جاذبية السوق سترتفع لأن العديد من الشركات المدرجة هي من اللاعبين الرئيسين في القطاعات التي ستشهد نموًا وتطورًا واسعًا بدورها في الناتج المحلي تماشيًا مع توجهات الرؤية بأن يمثل القطاع الخاص أكثر من 60 في المائة من الناتج المحلي. قد تشهد السوق تقلبات خلال المرحلة المقبلة وهذا من طبيعتها إلا أن حركة السوق المالية بالمجمل لافتة من حبث حجم التداول وتحقيق الكثير من الشركات لارتفاعات نسبية من أسبوع لآخر دون أن تكون بنسب عالية أي أن هناك هدوءًا في قراءة الفرص والتأني في بناء المراكز ولكن من المهم أن يتابع كل من يبحث عن فرص في السوق المالية الأحداث والتطورات الاقتصادية ويدرس القطاعات المدرجة ويبني قراره على أساس علمي ومهني من خلال التقارير التي تصدرها الشركات عن أعمالها ونشاطها وكذلك الاتجاه المستقبلي للاقتصادين المحلي والعالمي.