** (الذاكرة) ليست سوى (زنزانة) تغلق أبوابها عليك.. و(تصادرك). لكنك تكون (الإنسان) الأسعد حظًا.. عندما تكون (ذاكرتك) هي المستودع.. أو (الصندوق السحري) الذى يضيئ حياتك.. ويزيل عن صدرك ثقل الهموم والأحزان، إذا ما أطلقت (جيشها) وهمت بالهجوم عليك. ما أن تضع رأسك على (وسادة) نومك.. أو تضع الخد على اليد.. وشيء منك يهم بالاستسلام لهجوم جيش أحزانك، حتى تجد أن ظلام إغماضة عينيك، أخذ يشع بضوء خفي.. وهو يفتح (صندوق) ذاكرتك ويملأ روحك بعبير ما سكن فيك من ذكريات. لا تدري من أين سيبدأ سيلها الجارف.. هل من نقطة بعيدة.. بعيدة.. بعيدة.. تأتيك بأبعد ما فيك من طفولتك.. أم بما شع في ذاكرتك من جمال ذكرى قريبة حميمة. لكن لو أن أحدًا - فى جلستك المسترخية تلك- ورأى ما لاح في وجهك، لقال إنه رأى أجمل ابتسامة في الوجود، وتلك تسمى: (وداعة قبول غزل الذكريات). وكشرر من (حطب) نار اتقدت قربك.. تتطاير جيوش الهموم والأحزان.. وتضيئك جمرات الذكريات. تتقد فيك فى سماء صافية تملؤها النجوم التي اشتعلت فى ذاكرتك.. وملأت صدرك بنشوة لا شبيه لها ولا مثيل.. كأنك على (حجر) أمك تهدهدك ونأمة صوتها تأتيك بأجمل ما في الغناء من عذوبة وحنين!؟ أما إذا أغلقت زنزانة الذاكرة أبوابها على ما بقي منك مما حل فيك. فستجعل (سجنك) حالة دائمة.. لا سبيل للخلاص أو الفكاك منها. تبقى فيك كأثر (الكي).. أو أثر (جرح) عميق بقي كعلامة تتحسسها.. أو تراها كلما نظرت لوجهك فى المرأة. إنها حياتك.. التي مضت دون أن تمضي. لا يراها أحد سواك. تتشاغل عنها، وأنت منشغل بها. وبعد أن تكون قد مضيت فيها، ومشيتها، كحلم أو كفيلم، أو ككابوس، خرجت منه بيقظة، يفرضها مرور الزمن بك وبما فيك. لا تدرى كيف.. ولا لماذا.. تحولت - ذكرياتك- إلى زنزانة.. بدلاً من أن تغلقها وتمضي.. تجد أنها - هي- التي أغلقت كل الأبواب والمنافذ.. وجعلتك تصبح سجينها. لا يوجد إنسان ليست لديه ذكريات حزينة وأليمة وليست سعيدة.. والأيام تمضي بنا..وتأخذنا أقدارنا إلى حيث تشاء.. فنعيش ما كتب الله لنا.. ونمضي بلا حسرة أو ندم.. وعندما نستعيدها.. نجد أن هناك من يقول وهو يستعيد ذلك الشق الأليم من حياته: (لو عاد بى الزمن لعشتها مرة أخرى.. دون ألم أو حسرة ندم). أما في كثير من الأفلام (الأمريكية) فنجد أن أفراد العائلة الذين لا يجتمعون إلا في (أعياد الميلاد) يأتون على مضض ليقوموا بواجب ثقيل.. كأنهم يخشون أن تستيقظ في نفوسهم ذكريات غير سعيدة.