رحم الله أخي الأكبر وصديقي العزيز معالي الأستاذ الدكتور منصور بن إبراهيم التركي وتغمده بعفوه وواسع كرمه ورحمته. عرفته -رحمه الله- في مطلع الثمانينيات الميلادية عندما انضممت إلى هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض بعد عودتي من إكمال دراساتي العليا في الولاياتالمتحدةالأمريكية (وكانت الجامعة تسمى جامعة الرياض في ذلك الحين)، وتوثقت علاقتي الشخصية بعدما صرت عميداً لكلية التربية في الجامعة وتطلب عملي أن أراه وأجتمع به مرات كل أسبوع، ثم توطدت بشكل أعمق عندما أصبحنا صديقين متحابين في الله فعرفت من سماته وسجاياه ما لم أكن أعرفه من قبل رحمه الله. كان قلباً كبيراً ليس فيه إلا محبة الخير لكل الناس، وكان مؤمناً نقيّاً لا يعرف ظنون السوء ولا يحمل في قلبه على أحد مهما أساء إليه. كان ذكياً وفطناً بشكل استثنائي، وفي الوقت نفسه كان بسيطاً بساطة تحجب ذكاءه وفطنته عمن لا يعرفونه حق المعرفة. تولّع في آخر أربعين عاماً من عمره بالضعفاء والمساكين وكان يجد متعته العظمى في مساعدتهم وحل مشكلاتهم وطالما شاهدته وهو يتواصل مع أفراد منهم ويسمع بصبر لا حدود له شكاواهم وطلباتهم ثم يسعى في قضائها وكأنه الوحيد المكلف بها وبهم من بين كل الخلائق. حججنا سوياً مرتين أواخر الثمانينيات الميلادية وكان معنا صديقه ورفيق دربه الأستاذ إبراهيم حكيم الذي كان حريصاً كل الحرص على توفير كل أسباب الراحة له، ولكنه كان أحرص -رحمه الله- على أن يكون حجنا في أبسط صورة ممكنة بعيداً عن المظاهر ووسائل الراحة والترف، ولا زلت أذكر إصراره -رحمه الله- على أن نشارك أبسط الحجاج من خارج المملكة صلواتهم ودعواتهم وسيرهم على الإقدام بين المشاعر. تفرغ بعد تقاعده -رحمه الله- للعبادة وفعل الخير وتعلق قلبه بالمساجد، وما أصدق قول الأخ العزيز الأديب المعروف الأستاذ علي الشدي عندما نعاه في تغريدة له في حسابه في تويتر بقوله: «كان نعم الجار لنا وعلى الرغم من بعد بيته كان أول من يفتح باب المسجد فجراً ويؤذن إذا تأخر المؤذن غفر الله له وأسكنه فسيح جناته». كان وطنياً من الطراز الرفيع، وكان نزيهاً إلى أقصى درجات النزاهة، ولذلك أحبه الملك خالد -رحمه الله- وتوثقت علاقته به، وتولى في عهده منصب منسق اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة التي كانت مسؤولة عن التعاون الاقتصادي بين المملكة والولاياتالمتحدةالأمريكية، كما عمل وكيلاً لوزارة المالية قبل أن يستقر به المقام مديراً لجامعة الملك سعود فيما بين العامين 1979م و1990م. استثمر علاقاته الوثيقة والمتميزة جداً بالملك فهد -رحمه الله- وبالديوان الملكي في دعم الجامعة والنهوض بها خلال توليه إدارتها، وأولى الابتعاث الأكاديمي اهتماماً خاطاً وحرص على انتداب أكبر عدد ممكن من منسوبي الجامعة لإتمام دراساتهم وتدريبهم في الخارج، وأشرف بنجاح كبير على إنشاء مباني الجامعة الحديثة وعلى تطوير برامجها الأكاديمية مسهماً بذلك في نقلها إلى مصاف الجامعات الكبرى في العالم. كان مديراً حازماً وفي الوقت نفسه كان يكره المركزية في الإدارة، وكان صاحب همة عالية، وقد شهدت الجامعة في عهده عصراً من أزهى عصورها، وتضاعف عدد المنتسبين إليها، وتطورت دراساتها وبحوثها العلمية وازداد ترقي أساتذتها، وتقدمت في مراتب تصنيفها وحضورها على المستويين الإقليمي والعالمي. كان مهذباً ولطيفاً مع كل أحد، وكان متواضعاً إلى درجة كبيرة ومن أبعد الناس عن المظاهر والرسميات. كان صاحب روح مرحة وبديهة حاضرة، وكان كريماً دون تبذير ومقتصداً دون تقتير، ولم تعن له الدنيا بمادياتها إلا القليل مع أنه أتيح له أن يكون من أهلها بل وأساطينها، وقد كنت وما زلت أعده من الزهاد الكبار -رحمه الله-، فما أعظم حزننا عليك يا أبا ريان وما أكبر مصابنا بفقدك، رحمك الله رحمة واسعة وأنزلك منازل الصديقين والشهداء والصالحين وجمعنا بك ومن نحب في جناته، وأحسن عزاء أم ريان وجميع أولادك وأسرتك الكريمة، وأحسن عزاء الوطن فيك، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: (إنا لله وإنا إليه راجعون).