كأنه بالأمس (حزام العتيبي) مرَّ من هنا جاء إلى جدة واتصل وهو (كتلة من الفضول) ليتعرَّف علي.. عرفتة.. وأصبح صديقاً لي وثَّق صداقتي بليلى الأحيدب زوجته والكاتبة المبدعة والإنسانة والصديقة.. وفي كل زياراتي للرياض اختار (الإقامة) في منزلهما.. وحتى عندما أزور الرياض بدعوة (رسمية) في ضيافة أنيقة أفضِّل الإقامة في منزلهما المتواضع الأنيق. وكذا يفعلان عندما يزوران جدة وكانت زوجتى -دائماً- هي الأكثر سعادةً بوجودهما وكذلك أبنائي وكان -أربعتنا- نقضى أوقاتاً سعيدة سواءً بالتسكع في الأسواق أو المقاهي والمطاعم وعلى المواقع المتعدِّدة على شاطئ البحر. غير أن (حزام) -رحمه الله - كثيراً ما يفاجئنا ب(أفكار غريبة)... وما زلت وزوجتي نذكر حديثة (الغريب) ذاك.. وكان لتوه قادماً من (لندن) بعد إكمال (دورة لغوية) لحساب بنك الجزيرة. قال: أتوقّع أن تختلف دورة حياة الإنسان- أو أننى أحلم بهذا على الأقل.. كأن يدخل للنوم الساعة السادسة صباحاً وهو مبرمج (جدول نومه) على (هواه).. أسبوع أو شهر أو حتى عام.. وعندما يأتي أحد للسؤال عنه.. يأتيه الجواب.. بأنه (دخل للنوم.. قبل يومين.. وسوف يستيقظ الشهر القادم... أو حتى العام القادم في يوم (كذا) وفي الساعة (كذا). وطبعاً قضى أربعتنا ذلك اليوم... في (التصانيف) واللعب بالأفكار وصنع حكايات افتراضية ينسجها كل منا عن (نومه) والموعد الذي حدده لاستيقاظه.. والضحك على المفاجآت والأحداث التي مرّت خلال نومته والوقت الكافي لاستيعابها. طبعاً مفاجآت (شطحاته) -رحمه الله- لا تنتهي.. وهذا أحد الأسباب التي تجعل كثيرًا ممن حوله لا يستمزجونه.. لأنه كثيرًا ما يبدو لهم أنه (يشط) دون أن يفطنوا أن أسلوبه في تناول كثير من الأشياء أقرب لخلط المزح بالجد وأنه يعبر عن (أغرب أفكاره) بطريقة توحي بأنه سوف يقوم بتنفيذها فوراً.. وعندما زارني في جدة في آخر مرة أراه فيها اكتشفت أن صديقه الأثير هو (الشاعر) الزميل الأستاذ هاشم بركي الجحدلي الذي كان يستعجل إنهاء (صفحاته) في جريدة عكاظ ليسرع للقاء حزام الذي يكون بصحبتي أحياناً.. لكن ما إن يتلقى اتصال الأستاذ هاشم حتى يهب قائلاً وهو يبتسم: - (أبو محمد عن إذنك.. جاء وقت هاشم الجحدلي..؟!) ثم أوصلته المطار.. ولم أره بعدها.. وأتاني صوت العزيزة ليلى باكياً ينقل لي خبر وفاته.. صحيح أنه قبل موته حدثني طويلاً وتحدث مع زوجتي طويلاً... غير أن لهذا حديث آخر.. ولا أملك إلا أن أدعو له بالرحمة.. وأسأل الله أن يحسن خاتمتي.