{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} بتاريخ 3-10-1441ه فقدت مدينة الرس خاصة والمملكة العربية السعودية عامة فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الرشيد -رحمه الله-، الذي يعتبر عالماً وعلماً من أعلام القضاء عند تأسيسه. وفقده هو وأمثاله يعتبر خسارة فادحة نادراً ما تعوض، وقد ولد بمدينة الرس عام 1342ه، وله زوجتان وتسع بنات وأربعة عشر ابناً، وهم: عبدالعزيز، محمد، أحمد، علي، رشيد، مطلق، صالح، ناصر، خالد، إبراهيم، يوسف، فهد، هشام، زامل. وزَامَلَ الفقيد والدي فضيلة الشيخ منصور الصالح الضلعان -رحمه الله- في الكتاتيب وطلب العلم، وعند ترشيحهما للقضاء في ثريبان والمندق، كان -رحمه الله- وفيًّا مع زملائه فقد قال عن والدي إنه: «زميلي وصديقي الخاص». وأحسب أن فضيلة الشيخ عبدالله الرشيد -رحمه الله-، ومن واقع علمه وعمله ونفعه للناس، كان يملك عقلاً حكيماً وقلباً رحيماً وخُلقاً عظيماً، وقصص العلم والقضاء، والصبر والابتلاء والعطاء والسخاء المليئة بالكفاح والمختومة بالنجاح. كان وراء تميز والدي والشيخ الرشيد عوامل عديدة، أهمها ما يلي: أولاً: عوامل النجاح: 1- حفظهما للقرآن الكريم، وبالحديث: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». 2- طلبهما للعلم والعمل به، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. 3- إقامة الصلاة بطمأنينة وخشوع والأمر بها. 4- عملهما بتطبيق شروط بر الوالدين. 5- ابتعاد الشيخين عن الأضواء خوفاً من الرياء. 6- ابتعاد الشيخين عن الخلطة الضارة، وعن بغي الخلطاء، حفظاً للوقت والعمل من الضياع. 7- التوكل على الله ثم فعل الأسباب والرضا بالقضاء والقدر. ثانياً: قصتا الكفاح: بقوة وحزم وحسم تم رفض جميع الشفاعات والبرقيات باعتذارهما عن العمل بالقضاء، ورضيا بما كتب الله، فوافقا على تولي العمل بالقضاء. ورحلتا القضاء والعطاء لهما كانتا محفوفتين بالمتاعب ومليئتين بالمكاسب. وكانت الرحلة شاقة وشيقة وذكرها فضيلة الشيخ -رحمه الله- مفصلة بحوار في مجلة العدل في ربيع الآخر عام 1427ه، وأجرى الحوار مشكوراً الأستاذ محمد المقرن، وآمل أن يطبع هذا الحوار في كتاب لتعم الفائدة. وفي المندق وثريبان قابل الشيخان الفقر وشظف العيش بصبر وأجر، فقد كان غالب طعامهما الأسودان والشابورة إن تيسر وصولها من مكةالمكرمة. ثالثاً: تحول العسر إلى يسر: الصبر عواقبه حميدة ويتحول دائماً إلى نصر، وقابل الشيخان أهالي المندق وثريبان بالإتقان والإحسان واستقبلوهما بالأحضان والحنان. وقصص نجاح الشيخين كانت عجيبة وغريبة ومثيرة وفريدة، ووالدي -رحمه الله- كتب بخط يده رسائل إلى مشايخه بالرس يبشرهم بسروره ونجاحه، وكان يستشهد دائماً بقول الله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، وفي المندق وثريبان تركا عملاً لن يُنسى، وذكراً لا يُمحى، وفي الرس وثريبان والمندق والأحساء والرياض فوائح عطرهما وجميل ذكرهما ما زال يتوارثه الأجيال، وعند الوفاة والنقل بكوا على فقدهما، وعلى نياتكم ترزقون وبأعمالكم تحاسبون. رابعاً: الإحسان وعدم النسيان: أحسب أن فضيلة الشيخ عبد الله الرشيد -رحمه الله- أمضى وقته وعمره وعلمه وبذله بين الخلوة بربه ومسجده ومنزله ونفع أمته والإخلاص في عمله، وهو الآن أحوج ما يكون لرد الجميل، وعلى أولاده وأسرته ومحبيه الدعاء والاستغفار والصدقات، وأسأل الله له ولوالدي وللمسلمين الرحمة والمغفرة والفوز بالجنة، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}. ** **