عدنا إلينا، توقف الماضي في مكانه خلفنا، وثبت المستقبل في أفقه أمامنا. أصبحنا طيوراً حرة في سماء أيامنا، شكّلنا ساعاتها بما يشبه أنفسنا، وبقينا بتؤدة وسكينة في اللحظة الحاضرة القصيرة، هذه اللحظة الصغيرة التي أمسكنا بيديها، وأخذتنا معها في رحلةٍ معنا، شعرنا فيها بمعنى الأشياء الحقيقية التي نملكها، والتي نفتقدها. أحضرت معها أفكارنا المؤجلة، وأمنياتنا المهملة؛ لنقرأ ما فوّتناه، ونجمع ماضيعناه، ونحب ما نسيناه. عدنا إلى أرواحنا التي تركناها كل صباح وراء الباب مع أشيائنا المهملة، وخرجنا إلى أيامنا اللاهثة وأوقاتنا المزدحمة في المشاغل اللانهائية. عدنا من خارج أنفسنا إلى داخلها، نؤثثها بالسلام. عدنا إلى صوت دواخلنا المكبوت منذ مدة، التفتنا أخيراً لرسمة نحبها، أو فكرة مُعلّقة على السقف نتأملها، رتبنا أرففنا المبعثرة وذكرياتنا الجميلة المغبرة. تساءلنا عما فعلناه في أعوام عبرت؟ ما الذي لم نفعله بعد؟ ما الذي نفكر بفعله ولم نستطع؟ الآن عدنا إلى وحدتنا الأصيلة، أغلقنا أبواب أرواحنا عن ضوضاء الحياة، وفتحناها للطمأنينة، أغلقنا نوافذها عن رياح القلق، وفتحناها لنور الشغف والهواية، سكنّاها كما نحب. عدنا إلى المنزل، وفي المنزل وجدنا أنفسنا، وإن لم نجدها هنا بالداخل، فلن تكون في أي مكان آخر! ** **