بالرغم من أنني ضد رثاء الكبار حين يرحلون إلا أنني أرثيها بكل خلية في جسدي تنبض بالألم.. أم خالد.. كنت دائمًا تحدثيني عن الموت وأنه نهاية المطاف وكنتِ تمسحين دموعك فور نزولها حين رحيل أحدهم خوفًا من الجزع. لم يخطر في بالي أنك سترحلين ذات يوم. لم أتخيل نفسي بدونك، لا يمكنني أن أتصور العمل الخيري بدونك. البارحة رأيتك في المنام، حضنتك بعمق وكنت مجهدة أودعتني شيئًا لا أعرفه.. عاتبتي حزني عليك.. وكنت أقول لك لست حزينة.. كل ما أشعر به (نار تلظى في جوف خاوي) لك الله يا فاطمة التركي كيف تركت كل هذا الهم في قلبي ثم رحلت رحيل الغرباء، كيف رحلت دون أن أراك أو أودعك، حالت بيني وبينك ظروف كورونا وكان آخر عهدي بك ثلاثة أشهر كأنها ثلاثة قرون. رسائلك الصوتية لا تزال في هاتفي وأنت تستجيبين لرغبتي أن أسمع صوتك كل يوم وتطمئنيني عليك.. كنت ترقدين على السرير الأبيض.. وتنازعين التعب.. كنت تتنفسين الصعداء بسبب نقص الأكسجين.. كنت لا تستطيعين حتى أن تأخذي نفسك ومع ذلك تبعثين لي برسالة صوتية (أنا بخير يا فوزية، اليوم أحسن من كل يوم)، كنت لا تقولين الحقيقة لي لأنك كل يوم تزدادين تعبًا، ثم رحلت وتركت قلبي غارقًا في الحزن. أتعبني رحيلك حتى النخاع، أجهدني حزنك حتى الأسى. كل شيء يذكرني بك. لا استطيع أن أنفك من ذكرياتي معك البالغة من العمر 25 عامًا، لي معك في كل مكان صولة وجولة هناك التقينا وهناك خططنا لعمل الخير وهنا عملنا وعمرنا بيوت الفقراء وفككنا أسر سجناء وحررنا مكلومين ومتعبين. عمرنا جمعية قطرة طوبة طوبة وركضنا هنا وفي أنحاء المملكة وفي البحرين نجمع رصيدًا من الأعضاء الداعمين، عملت أنا وأنت في مركز التدريب حتى صنعت إدارتي وإرادتي وقدرتي على أن أخوض العمل بكل جدارة، ثم انتقلت إلى ميدان آخر، في كل مكان لك أثر وبصمة وعمل جليل. حاربوك أعداء النجاح وكنت صلبة قوية وكنا بك أقوياء. كنت تتكئين على كتفي وتقولين أرجوكم لا تتركوا (قطرة) تغيب وكيف تغيب يا حبيبة قلبي وهي ابنتك التي ربيتها بدلال وأفنيتي نفسك وصحتك وأنت تجاهدين لأجلها، لا يمكن أن أنسى موقفك وأنت تنزفين دمًا بسبب ارتفاع ضغطك ومع ذلك تضغطين على أنفك ليقف النزيف وتلقين كلمتك في أحد محافل «قطرة» ثم تدخلين المستشفى بعد تحقيق النجاح. كيف استطيع أن أنساك وفي كل مكان لك طيف يلوح أمام عيني، لك الله يا أم خالد رحلت قبل أن نشبع منك. نعم أنا ضد رثاء الكبار بعد أن يرحلوا، كان يجب أن تخلد أسماؤهم في حياتهم نوعًا من العرفان لكن مع الأسف هذا ما يحدث مع الجميع، يحاربون الناجحين وينافسونهم ويقسون عليهم وحينما يرحلون تضج وسائل التواصل حزنًا عليهم وبكاء وعويلاً. ليتكم يا مجتمع عنيزة خلدتم اسمها قبل أن ترحل لترى ثمرة عملها قبل أن تذهب. لك الله يا أم خالد، ليتك لم تغرسي حبك في قلبي بهذا العمق. الآن أنا متعبة من هذه المحبة حتى النخاع وأشعر بوجع رحيلك يصرم بطين قلبي الأيمن ويرهق تجاويفه ويعصرني الحزن عليك عصرًا ويغرف قلبي الشوق إليك وأنا أعلم أنك لن تأتي. يا الله يا أم خالد كم تركت من الأثر وحب الخير والعطاء، كم ساعدت الفقراء والمساكين كم جبرت كسر المكسورين، كم أسهمت لأجل هذا وذاك وزرعت الياسمين. كل من في الأرض يحبك ويدعو لك، يا ليتهم يدعون لي باليقين. ** **