كم من خديعةٍ هشمت أضلاع ثقتنا بأنفسنا، وكم من خيبةٍ مكنَّاها من قلوبنا ففطرتها. تجاوز الخيبات فن، وإتقانه يتطلب مهارة عالية، لا نحصل عليها عادةً إلا بكثرة التجارب، واتقاد الوعي. في إحدى تغريداتي على تويتر أدرجت - على سبيل جسّ النبض - استطلاعًا لآراء الناس حول إمكانية التجاوز، أو بالأصح الوقت الذي يحتاجون إليه لتجاوز خيبةٍ ما. لم أُدهش من الاختلاف الكبير والتباين في القدرة والرأي بينهم. فمنهم من ربطها بالوقت، وحدد فترة زمنية، يرى أنه يحتاج إليها ليجتاز خيبته، ومنهم من استحال لديه النسيان، وآخرون ليسوا بحاجة لوقت؛ فخمس دقائق أكثر من كافية ليقلبوا الصفحة، وتستمر الحياة. تتفاوت ردود الأفعال باختلاف المتلقين، لا نمرّ بالتجارب ذاتها؛ لذا لسنا بالصلابة ذاتها، ولا يملك جميعنا الحكمة الكافية لتحجيم المشاكل؛ فقد ينهار أحدنا أمام المواجهة الأولى، ولا تقوم له قائمة بعدها، بينما تزداد صلابة آخر بعد كل نِزال يخرج منه رابحًا كان أو مهزومًا. بعض المشكلات نلج عبرها إلى حزنٍ سحيق؛ ولا نقوى الفكاك منه حتى نردُ على مراحل الحزن الخمس: النكران، الغضب، المساومة، الاكتئاب، ثم القبول. وبعد القبول يأتي التجاوز، وقد لا نتجاوز، وتعيش بنا الغصة ما حيينا. لنخطو أولى خطواتنا نحو التجاوز يجب أن نتقبل فكرة بوارِ تُربة الماضي، وأن الحرث فيها عبثًا لن نجني منه سوى هدر أعمارنا. فعلينا أن نتقبل كل ما نمرّ به ليأتي بعده القرار بالتجاوز والعبور نحو الضفة الأخرى من حقيقة الحاضر الذي يجب أن نكترث له، ونعيشه بكل رحابةٍ ورضا. حين نقبل ونرضى نكون على الطريق الصحيحة التي تقودنا نحو التسليم. وفي التسليم اتزان وجذب للسلام الداخلي. ولنحظى بكل ما سبق علينا أن نجعل التسامح منهجنا. فحين تعمر قلوبنا بالتسامح والصفح عن أنفسنا وزلاتها وعن الغير وهفواته فإننا في طريق السلام الأبدي. فلا سلام وقلوبنا تلوك الندم أو الضغينة. ولا سلام وأرواحنا تختنق بالماضي وما تعلق به. نحن أبناء اليوم، بل اللحظة، ولا نملك غيرها؛ فالتفكير فيما مضى مضيعة للوقت؛ فما مضى لا يعود. وكل لحظة غادرتنا حملت معها بياضها وسوادها. والمستقبل مجهول، والتكهن بما سيحدث فيه خوضٌ في غيبيات لا نملكها، لكننا نملك تعزيز أرواحنا بقوة القبول والاستعداد لمواجهة كل ما سنمرّ به بوعي ورضا وتسليم يحفظ لنا الاتزان في كل موقف وقصة قد نخوضها لاحقًا. الأمس واليوم والغد هي ثالوث الحياة، تستند على بعضها. فتعاملنا مع الماضي نعيش نتائجه اليوم؛ لذا فإن قبولنا لليوم، وتفاؤلنا فيه، سيمنحنا ضوءًا نعبر من خلاله للمستقبل. ** ** حنان القعود