تتفاوت الآراء، وتختلف الرؤى في قيمة التدريب، وأثره في بناء الشخصيّة العلميّة، والارتقاء بالمستوى الفكري للإنسان. وبعد تعرّض العالم لجائحة كورونا، ونشاط حركة التعليم عن بُعد التي فرضها الموقف، وجدنا كثيرًا من الدورات تطرح عبر منصّة (زوم)، وغيرها من المنصّات. ولحرص المثقفين وطلاب العلم على إشغال أوقاتهم بالنافع والمفيد رأينا كثيرًا منهم يتابعون ويحضرون، راجين الفائدة وقضاء الأوقات في النافع، واستثمار الأعمار في الصالح. ولتجربتي التدريبية ذات العمر المديد مدربة ومتدربة؛ إذ حصلت على أكثر من خمسين برنامجًا تدريبيًّا، ودرّبت أكثر من خمسمئة ساعة تدريبيّة، بعضها دورات تطوير للذات، وعشر سنوات مدربة للحوار مع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وأكثر من خمس سنوات مدربة مركزيّة لمقرّرات اللغة العربيّة، وجدتُ نفسي قادرة على نقد هذه البرامج، وتأمّل آلية عرضها، وجودة مخرجاتها. وعلى الرغم من اهتمامي في البدايات بدورات تطوير الذات، والحوار والاتصال، والمهارات البحثيّة والعلميّة، والإلقاء، إلّا أنّي مؤخرًا أجد اهتمامي بتخصصي، وشغفي بالدورات التخصصيّة بات كبيرًا. وقد وجدت مساحة زمنيّة في يومي تتيح لي الانضمام لدورات معهد سيبويه التي يقيمها مجمع اللغة العربية بمكّة المكرّمة؛ فحضرت ستّ دورات، مدّة الدورة ساعتان في يومين، وقد تميّزت الدورات الستّ بالآتي: - تمكُّن المدرّب أ. د. عبد العزيز الحربي رئيس المجمع من المادّة العلميّة المطروحة. - أسلوبه الماتع السهل الممتنع؛ إذ ينوّع بين المعلومة والقصّة والطرفة والشعر. - احتواء البرنامج على حقائب تدريبية تنزل للمشاركين في مجموعة (واتس أب)، وتعرض عبر البرنامج عند التدريب. - مشاركة المتدربين بالأسئلة والأنشطة الذهنية، وإتاحة الفرصة لهم للحوار والمداخلات. - إجازة المتدربين في كتاب يحتوي على مضمون الدورة. - حصول المتدرّب على شهادة معتمدة من المجمع. - تزويد المشاركين بالمادّة مرئية أو مسموعة بعد الدورة. وبعيدًا عن المزايا التي تطول لهذه البرامج، وعلى الرغم من إلمامي ببعض هذه الدورات مثل: (خمسون قاعدة في الصرف)، إلّا أنّ حضور الدورات حتمًا ذو فائدة، ويكفيك منه المعلومات التي يعرضها المدرّب من مقروءاته، وشحذ الهمم الذي تخرج به من قصص العلماء السابقين، والأسلوب التدريبي الذي يمنحك فكرًا تدريبيًا، وقد يشجعك على خوض غمار التدريب مستقبلًا. لا يمكن لنا بحال من الأحوال اتهام التدريب بالقصور، وتجاهل قيمته في عالم متسارع التطوّر، وقصر وسائل الحصول على العلم على الاطلاع ومحاضرات الجامعة والانكباب على الكتب؛ وذلك لأسباب كثيرة، منها: - قيمة التلقي، وأثر شخصيّة المقدّم في الجمهور. - اكتساب المهارات بالتدريب أبقى أثرًا من اكتسابها بالتعليم. - الزاد العلميّ الوفير الذي يقدّمه لك المدرّب؛ فقد يجمع لك خلاصة عشرات الكتب، وعشرات السنين، ولا يمكنك الحصول عليها وحدك في مثل هذا الزمن القياسي. - التجارب التي تأخذها من المدرّب، ومن شخصيّات بعض المتدربين. - التعارف والتآلف بينك وبين بعض المتدرّبين، وقد يمتدّ سنوات، وهذا مكسب إنسانيّ عظيم. - الأثر الذي تجده في سماتك الشخصيّة بعد التدريب لا يستهان به. ولا أغالي في وصف البرامج التدريبيّة وأثرها، ولا أزعم أنّ أحدًا سوف يتقن علمًا من برنامج لا يتجاوز ستّ ساعات، لكنّ هذه القيمة تتضاعف وتزداد حين تتقن انتقاء البرامج الجيّدة، والمدرّبين المتمكّنين. وباختصار: تعرف جيدًا احتياجك التدريبيّ، ثمّ تنطلق منه إلى فضاءات أوسع وأرحب. ** **