من أمتع الأحاديث قصة تكوين المكتبات الخاصة. وللعلماء والأدباء والمفكرين طرائقهم الممتعة في نشأة مكتباتهم. والمكتبة تشكِّل جزءاً مهما في حياة صاحبها؛ فهي عالمه الذي ينسى حين يدخله عالمه الخارجي. إنها حديقة غنّاء ملحقة بالبيت. ما دخلت مكتبتي إلا راغباً، وما خرجت منها إلا كارهاً. أتصورها مملكة أنا ملكها، وشعبها علماء، ومفكرون، وأدباء، وساسة.. إنها خلاصة التجارب، والمعارف، وتاريخ العالم. لقد مرت مكتبتي بتطورات، ومتغيرات متلاحقة، ونمت بشكل طبعي. ميزتها أنها غير تخصصية، بدأت تراثية دينية سلفية، ثم واكبت المتغيرات، وكان تخصصي فيها من أوسط الحقول. لقد مرت بطفولة عفوية ساذجة، قوامها ثلاثة كتب عثرت عليها في بيتنا: - رياض الصالحين. - جواهر الأدب. - المستطرف. اتخذت لها (صفة) طينية ترابية مظلمة، و(سحارة) خشبية،و(سراجاً) من صفيح أبيض، يصنعه الحدادون، بفتيلة مغمورة ب(القاز)، كان يأتي بصفائح من (تنك) على ظهور الجمال من (عبدان). من هذه (الصفة) انطلقت مكتبتي. أحسست بحب الكتاب منذ ذلك الوقت حتى وإن لم أكن أفهم ما فيه. واكب مكتبتي في عام (1374) هجرياً مكتبتان: * مكتبة بريدة العامة. * مكتبة المعهد العلمي ببريدة. دخلت الآن مرحلة الشيخوخة؛ إذ مر على بداية تأسيسها (سبعون) عامًا، وتجاوزت محتوياتها عشرين ألف كتاب. ولمكانتها في نفسي فقد أوقفتها لوجه الله. وللوكيل نقلها للمكان المناسب بالتشاور مع أهل الخبرة والمسؤولين. لقد كانت هناك مكتبات تراثية ودينية تجارية، أسهمت في بدايات تشكيل مكتبتي، ولما أتخمت بكتب التراث أُنشئت مكتبة تجارية حديثة، أسهم في إنشائها شباب مثقفون من (بريدة)، جلبوا لها الصحف والمجلات المصرية، وسلسلة (اقرأ) و(كتاب الهلال) وكتب العمالقة (العقاد) و(الزيات) و(طه حسين) و(الرافعي)، وعمالقة الإبداع السردي (محفوظ) و( السباعي)و (عبدالقدوس)، وكبار الشعراء (شوقي) و(حافظ). هذه المكتبة الحديثة والجريئة غيّرت مجرى حياتي الثقافية. أحسب أن لكل مثقف طريقته في التكوين، والترتيب. وكانت للبعض منهم أحاديث ممتعة، مستقلة، أو ضمن سيرهم الذاتية. أمتع ما قرأت في هذا المجال ما كتبه الزميل الصديق الأستاذ الدكتور المحقق (عبد الله عسيلان)، ومن قبله تحدث (العقاد) وبعض كتّاب السير الذاتية من الأدباء والمفكرين ألمحوا إلى شيء من ذلك..! للحديث صلة.