دائمًا وأبدًا يردد العربي، حين يشاهد صورًا وفيديوهات لمحدثين، مواعظ، وحوارات، ولشعراء أمسيات، ولفناني أغانٍ طربية رصينة شجية، أو يقرأ بأرشيفه صحفًا ومجلات حافلة بدراسات نقدية في الأدب بشتى فروعه، أو يشاهد صورًا لمعارض تشكيلية، وأفلامًا وثائقية، تعرض معالم مدن عريقة، شوارع نظيفة وبيئات نقية، وطرقات لا تجد فيها عوجًا أو حفريات ولا مطبات اصطناعية.. رمال الوديان نقية ناصعة البياض، نباتات محاصيلها تفي بحاجة أهلها، وزهورًا وورودًا فارهة الجمال والتنسيق. صار العربي يحن لما ينعته ب«الزمن الجميل»، لباس محتشم، وشباب منهمكين في شتى ضروب الحياة، وفي جامعات عريقة، بظروف مادية لم تكن كما هي الآن، في بلدان أكثر وبلدان أقل، والسائد الرضا والقناعة والنقاء. زمن سلام وأمن واستقرار قبل أن يدنس لبلاد العرب طفيليون، يمكن تصنيفهم ب»سوسة» المجتمع، بعد أن عادوا أشد كراهية لمجتمعاتهم، أخرجوهم من معاطنهم بأمل صلاحهم، أكرموهم فتمردوا، وهكذا هو طبع اللئام، فالمجاذيب والخوارج ما لم يتعقلوا ويثوبوا إلى رشدهم فمكانهم الطبيعي الإصلاحيات، والمصحات النفسية، ومن أمثلتهم «الإخوان» و»الصحويون» والسروريون» وجميع المسميات المتأسلمة زورًا وبهتانًا، ومن سار على نهجهم من خفافيش الظلام، وسفهاء الأحلام، وأحداث الأسنان، يلهثون عبر مشاريع زينها لهم غرب ناقم، وصفويون غارقون في أحلام حللهم الموشاة وعروشهم ما قبل الإسلام. كفَّروا من ليس على نهجهم، وزندقوهم. طاروا إلى أفغانستان، وشوهوا الجهاد ضد السوفييت، ومنوا المليء مالاً «ابن لادن» بخلافة المسلمين؛ إذ شد أيمن الظاهري الرحال، واستحوذ شيطانه على فكر بعض الجهلاء من «المجاهدين»، العقلاء منهم عادوا لأوطانهم. وقد أهلكه الله، ثم نبتت فسيلة «داعش» من جذع عهر القاعدة، واستدعت الغرب والشرق، وجميع تلك التنظيمات الدموية رضعت من رحم نجس، رحم «الإخوان»، واحتواهم حجر معممي قم وطهران فآووا قادتهم. تشتت داعش وانتهى عمليًا وظل فكرًا. وحدهم من سجنوا وثابوا إلى رشدهم. المتشددون في مصر الذين عادوا منظمين مؤمنين بوطنهم، وانخرطوا في أعمالهم تحت كنف الدولة. ولذلك الإخوان يرون فيهم أشد أعدائهم. وفي بلدان أخرى كشف الله ستر الصحويين والسروريين من أشد طلاب الإخوان اتباعًا للباطل، وعدوا أنفسهم أوصياء على الدين، ولم يسلم من غمزهم ولمزهم من ليسوا على نهجهم. تمادوا بالسخرية من علماء، وأطلقوا عليهم علماء السلطان، وهذه التسمية أول من ابتكرها الإخوان؛ إذ كانوا يطلقون على علماء الأزهر والسلفيين المعتدلين «علماء السلطان»، كونهم يدعون إلى لحمة الأوطان.. لذلك فالتغني بالزمن الجميل له ما يبرره بمن أثروا الأوطان: عباقرة، وعلماء دين، ولغويين، وشعراء وكتاب، وموسيقيين، وتشكيليين، وكتاب ومترجمين... إلخ، في تجانس تام، تجمعهم «أوطان» أحبوها وخدموها، ولم تبخل عليهم، ولغة أثروها وعشقوها، ودم واحد يراعون حرمته.. يجمع الغالبية العظمى ببلدان عربية «الإسلام» الوسطي «قمة كل شيء الوسط».. في بلدان تفخر بالإسلام، وغير مسلمين متآلفين معهم في توافق ومحبة واحترام، ولا يزالون كذلك، بالرغم من محاولات بعض الأوباش استهداف مسلمين وغير مسلمين لبث الفتنة تحت شعار زائف، نسبوه ظلمًا للإسلام. يدور في الأفق الرحب حلمٌ أن يعود الزمن الجميل، خاصة وقد بدأ أغلبية الناس يدركون أن ما كان سائدًا منذ سطوع نجم المتأسلمين وسطوته على عقول اليافعين والشباب الذين اغتروا بظاهرهم، فيما كانوا يدسون السم في العسل. لقد شب الناس عن الطوق، خاصة وهم يستلهمون ما يرويه لهم أسلافُهم عما كان قبل المندسين باسم الإسلام من إلغاء مظاهر كانت طبيعية، ثم جرموها وحرموها. وقد بدأت خطوات العودة إلى المنهل العذب، والفكر الإسلامي الصحيح تطل مع أمانٍ عريضة أن تستفيد من تجارب الزمن الجميل، وتكف عما يشوه الحاضر، مع استئناف رتم الحياة بعد الخلاص من جائحة «كوفيد19». ** **