«السياسة والاقتصاد تتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه»-الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم- عندما تغيب عنا معطيات نتيجة مخصوصة نلجأ عادة إلى حيلة الارتباطات التجاورية لخلق إحداثيات نستطيع من خلالها استنتاج المعطى المجهول للحاصل؛ كما ربط كيسنجر بين الحرب العالمية الثانية وجائحة كورونا وفق النتيجة رغم غياب المعطى المؤكد. باعتبار أن المتشابهات كما أنها تحمل ذات النتيجة فهي تتفق في تكرار المعطى وهو ما يجعل الارتباط التجاوري لتفسير النموذج المشابه لها أداة تحليلية في ذاتها وهي حيلة كما توفر لنا «الأمن الفهمي» فهي قد تكسر حاجز المعقولية أو المنطق بين تلك الارتباطات الظنية وحاصل المعطى المجهول أو تجرّ معتقدنا التحليلي إلى فخ الوهم بالمبالغة أو التوجس، وهي مع ذلك قد لا تخلو من كونها وسيلة معرفة آمنة العقلانية في ظل الظرف المستقر. يتوقع الفيلم الكندي المثير للجدل «الماعز الأليف» الصادر عام 2012م ظهور فيروس يهدد العالم محمول على دبابات صينية وصراع بين الدبابات الصينية والعالم ويظهر في هذا المقطع شعار الحرب البيولوجية. وهو توقع يطرح هل ما يحدث اليوم هو قصدي مع السبق والإصرار لتغيير النظام العالمي كما جاء في فيلم الماعز الأليف؟ إن فكرة «مجانية الوباء» لا أظنها تتوافق مع المنطق التعليلي ولا العقل العلمي، والاستسلام لحتمية القصدية أيضاً لا تتوافق مع غياب الدلائل والإثباتات وإن كانت لا تنفيه، فهل فيروس كورونا أو «كوفيد 19» فيروس مُخلّق ضل طريقه من المختبرات إلى الإنسانية؟ فكان الضلال المميت؟ لأن الادعاء بالقصدية تعني أننا نعيش حرب بيولوجية مستترة. لقد عشنا أجواء الحرب البيولوجية الكونية من خلال السينما العالمية لكن ثمة فكرة تقدمها لنا تلك الأفلام وهي أن الحياة بعد الحرب البيولوجية تتسم بثلاث خصائص هي: تقلص أعداد البشر والصراع على الطعام والماء وظهور نظام عالمي جديد. إن فكرة السلاح البيولوجي ليست فكرة جديدة فقد تم استخدامه في الحروب العسكرية لكن على نطاق لا يصل لمفهوم الحرب الكونية.فهل هذه الجائحة هي حرب بيولوجية يتعرض لها العالم ستعيد ترتيب قوى التمكين وخلق نظام عالمي جديد؟ وهذا السؤال ينقلنا إلى مقالة وزير الخارجية الأسبق ومستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر في صحيفة وول ستريت جورنال الذي قال فيها «إن جائحة كورونا ستغير النظام العالمي للأبد»، وهي مقولة أثارت الجدل سواء في تصريحها أو ما تحفيه بين سطورها. ونظرا إلى ما يتميز به كيسنجر صاحب كتاب النظام العالمي الذي تتبع فيه مسارات تاريخ صناعة معطيات النظام العالمي من فكر سياسي ثاقب ورؤية استشرافية يجعل النتيجة التي توصل لها بأن جائحة كورونا ستغير النظام العالمي للأبد أسوة بالحرب العالمية الثانية، نتيجة لها أهميتها وقيمتها سواء تم إدراكها الآن أو فيما بعد لأن توقعه بلاشك مبني على معطيات سواء فهمنا تفاصيلها أو غابت عنا هو توقع قابل للواقع والتطبيق. يرى كيسنجر أن هذه الجائحة سيترتب سواء في ظلها أو ما بعدها اضطرابات سياسية واقتصادية تستمر لأجيال. وأظنها اضطرابات ستدفع في نهاية الأمر إلى إعادة ترتيب قوى التمكين والهيمنة وصياغة مفهوم النظامي العالمي. في ظل الجائحة اكتشفنا أن أوروبا التي تتحكم في كثير من اقتصاديات العالم هي الحلقة الأضعف وكيف تفكك معنويا الاتحاد الأوروبي متأثرا بهذه الجائحة، واكتشفنا أن أمريكا صاحبة القوة العسكرية الأولى والقائدة للنظام العالمي عاجزة عن حماية شعبها لتتصدر العالم في عدد الوفيات وتصرخ طالبة النجدة من الصينوالهند. في ظل الجائحة تساقطت الأيقونات العظمى التي كانت تقود النظام العالمي وبرزت الصين كقائد للعالم وستلحقها الهند، فهل ستكون آسيا الموطن الجديد للنظام العالمي ما بعد جائحة كورونا.