المملكة تعزّز جهود العمل المناخي خلال منتدى مبادرة السعودية الخضراء 2024    وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يكرم شركة المراعي في الحملة الوطنية للتدريب «وعد»    رئيس وزراء منغوليا يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    محافظ جدة يكرِّم 21 طالباً وطالبة من الفائزين بجائزة «صناعيو المستقبل»    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن عبدالله بن عبدالمحسن    الصين تدعو مواطنيها في كوريا الجنوبية إلى توخي "الحذر"    مستشفى الرعاية المديدة بالرياض يعزز تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئة العمل    مدرب ليفربول: لن نتعجل عودة أليسون من الإصابة    فرع الإفتاء بمنطقة جازان يطلق مبادرة اللحمة الوطنية"    إطلاق خدمة الامتثال بالتأمين الصحي للمنشآت في المملكة    صدور موافقة خادم الحرمين على منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة ل 72 مواطنًا ومواطنة لتبرعهم بأحد أعضائهم الرئيسة    إسرائيل تحذر: لن نميّز بين لبنان وحزب الله حال انهيار الهدنة    مدير تعليم الطائف التطوع قيمة إسلامية ومطلب مجتمعي    الشورى يقر دراسة إعادة جدولة القروض العقارية للمتقاعد وفقاً لراتبه    جمعية أصدقاء البيئة تشارك في مؤتمر الأطراف COP16 بالرياض    نائب أمير مكة يشهد توقيع مذكرة تعاون بين الإمارة وجامعة الطائف    التحالف ينفي تصريحات ومزاعم القيادي الحوثي حول جثمان شقيقه    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل"اليوم العالمي للسكري"    الإتحاد يعلن تطورات إصابات هوساوي وبيرجوين    المملكة نموذج عالمي للإصلاحات.. اتفاقية استراتيجية مع البنك الدولي لإنشاء مركز عالمي للمعرفة    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي وزيرة المناخ البريطانية    تشكيل الهلال المتوقع ضد الغرافة    «التجارة»: السجن والتشهير بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر في المقاولات    الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تعلن زراعة 500 ألف شجرة وشجيرة    مجمع إرادة بالرياض: المضادات الحيوية لها تأثيرات نفسية تصل إلى الذهان    الصندوق العقاري يمنح مستفيدي الإقراض المباشر قبل عام 2017 خصمًا يصل %24 في حالة السداد المبكر    مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يستقبل طلاب البحرين    المياه الوطنية: إغلاق جزئي لشارع 18 بحيّي القزاز والعدامة لتنفيذ مشروع تحسين جودة مياه الشرب بالدمام    مذكرة تفاهم بين هيئة الصحفيين بمكة وجامعة جدة وكلية جدة العالمية للتدريب والتطوير    أكثر من 60 مفكرًا يشاركون في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة الخميس المقبل    سفير قطر بالمملكة: التأييد الدولي التاريخي لملف استضافة المملكة لمونديال 2034 يؤكد مكانتها المرموقة    هلال جمادى الآخرة يُزين سماء الوطن العربي اليوم    إصابة خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مدينة دير البلح    الكلية التقنية تكرم فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بجازان    أمير القصيم يتفقد محافظة النبهانية ويناقش احتياجاتها مع الأهالي والمسؤولين    أمير القصيم يكرم عددًا من رجال الأمن المتميزين في شرطة محافظة النبهانية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. نائب أمير مكة المكرمة يرعى الملتقى العلمي لأبحاث الحج والعمرة    يجمع بين رواد الحِرف اليدوية من مختلف الدول.. «بنان».. تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب    مبادرات إنسانية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 27 إلى لبنان    «إكس» تميز الحسابات الساخرة بملصق خاص    أهمية الداش كام وكاميرات المراقبة المنزلية    تطبيقات توصيل الركاب ما تزال غير آمنة    وزير الدفاع يستعرض مع منسق الأمن القومي السنغافوري التعاون المشترك    روسيا: الدولار يفقد جاذبيته عملةً احتياطيةً    تعليم سراة عبيدة يحتفي باليوم العالمي للطفل    البشر القدماء يمتلكون رؤوسا كبيرة    ولي العهد والرئيس الفرنسي يشهدان مراسم توقيع مذكرة تفاهم بشأن تشكيل مجلس الشراكة الاستراتيجي بين حكومتي المملكة وفرنسا    تامر يكشف سراً مع أليسا عمره 12 عاماً    أطباء في جدة يناقشون أسباب إصابة 17.9 % من البالغين بالسكر    لا تنحرج: تجاهلُها قد توصلك للموت    5 أغذية تصيبك بالكسل    محمد بن عبدالرحمن يلتقي مسؤولي "مكنون"    أدب القطار    بيولي يُبرر خسارة النصر أمام السد    وزير الدفاع يبحث مع الوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري الأوضاع الإقليمية والدولية    رحم الله الشيخ دخيل الله    الشؤون الإسلامية تواصل تنفذ جولاتها الرقابية على الجوامع والمساجد بأبي عريش وفيفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحافظة على اللغة العربية وصيانتها وإنعاشها
د. صالح بن فهد العصيمي
نشر في الجزيرة يوم 03 - 04 - 2020

يسود بين أوساط المثقفين والأكاديميين وعامة الناس نوع من القلق المشوب بحنين على حال اللغة العربية بمستواها الفصيح العالي، وهذا ليس غريباً في ظل هيمنة اللغة المنافسة الأقوى (الإنجليزية) وانتشار العدو التقليدي اللدود للفصحى -في نظر الكثيرين- وهي الدارجة أو العامية. ولا بد من التسليم بأن الإمبريالية الإنجليزية وكيف تشكّل هذه الإمبريالية تهديداً للغات الأخرى وليس فقط للعربية وضع معترف به علمياً.
ومهما يكن الموقف الآيديولوجي تجاه الفصحى أجد لزاماً على عشاقها والخائفين عليها أن يطرحوا مبادرات فعّالة على شكل خطوات إجرائية وتدابير وقائية للحد من تراجعها وتفشي خصميها (الدارجة واللغة الإنجليزية)؛ فالأمر مسؤولية الجميع وليس فقط منوطاً بالمستوى الرسمي الذي ننادي أحياناً بأن تُلزم الوسائل الإعلامية بكذا أو كذا، أو أن يصدر قرار سياسي، فهناك مبادرات على مستوى الأشخاص تحدثت عنها اللسانيات التطبيقية.
فاللغة العربية تعاني من وضعين معروفين في اللسانيات التطبيقية، هما:
1- هيمنة لغة أجنبية وهي اللغة الإنجليزية، خارجياً وفي الداخل أيضاً في بعض السياقات (المطارات والمستشفيات وأماكن الترفيه والسياحة).
2- تنافس لغوي (linguistic competition) مع لغة أخرى ومستوى دارج غير مرحّب به داخلياً في سياقات كثيرة ومتعددة.
وحين نستمع إلى الشكاوى حول وضع الفصحى يتبادر إلى الذهن أنها تعاني ما يُسمى خسارة المكانة؛ ولهذا لا بد من بعض إجراءات إحياء اللغة (language revival) أو النهوض ب/بعث اللغة (language revitalization) أو إنعاش الفصحى لتدبّ فيها الحياة من جديد. فاللغة تُعدّ رأس مال ثقافي لأهلها، ويمكن طرح السؤال الطبيعي: كم تبلغ القيمة السوقية للغة العربية (خاصة الفصحى)؟ هل هي باب رزق وظيفي؟ هل هي أداة علم تقني أم طبي؟ هل هي لغة السياسة؟ هل هي لغة الاقتصاد؟ هل للغة قيمة جوهرية في الحياة؟ هل هي للتباهي أم مجال للتندر؟ هل تُكسِب وجاهة؟
وبصفتي أحد المختصين باللسانيات التطبيقية سأعرض بعض الأفكار الإجرائية التي تندرج تحت نماذج علمية وأطر فكرية مختلفة في التخصص مثل ما يندرج تحت (المحافظة على اللغة Language Maintenance) وما يندرج تحت (الإبقاء على اللغة Language Preservation).
قد يبدو الأمر غريباً ومؤلماً في نفس الوقت أن نتبنى أطُراً هي في الأصل لأوضاع اللغات المهددة بالاندثار والانقراض، وهي حالة ترفضها النفس ولا تقبل تحققها على الفصحى، إلا أن الشكوى حول الفصحى والحنين لعودة مجدها اللذين يعمّان أرجاء التفاعل الثقافي والعلمي توحيان بحالة من الأفول وإن كانت ثقيلة على النفس لدرجة الإنكار وعدم القبول؛ لكن لعل الحرص على الفصحى يغلب أي شعور آخر.
وقد أسهمت اللسانيات التطبيقية في حدوث الإبقاء والحفاظ على اللغة عبر الحديث عن عوامل وجهود ومبادرات وكذلك أدوات بحثية يمكن بها دراسة ظاهرة التدهور اللغوي. وهو ما سأتعرض له بشيء من الإيجاز فيما يلي. هذه الجهود يمكن أن تسهم في الارتقاء بحالة التحول اللغوي (حالة الضعف في الفصحى) إلى حالة الازدهار والانبعاث من جديد.
أعتقد أن من الإجراءات المفيدة المثال البيّن الواضح الذي يمكن تنفيذه عبر الإنترنت (مثلا تويتر) بسؤال المتابعين عن المجالات التي يستخدمون فيها الفصحى، والمجالات التي يستخدمون فيها الدارجة، والمجالات التي ليسوا فيها متأكدين من أحكامهم، ويكون مثله في المواقف والمحاورين والمواقع والسياقات وغيرها مما يعرفه أهل اللغة خاصة (علم اللغة الاجتماعي).
كما يمكن طرح استبانة للتقييم الذاتي لكفاءة المتابعين في المستويين (الفصيح والدارج) في المهارات الأربع الرئيسية (الاستماع، والحديث، والقراءة، والكتابة). إضافة إلى ذلك، يمكن البحث في الاتجاهات (إيجابية، أو سلبية، أو محايدة) حول المستويين (الفصحى والدارج) للمستخدمين وتصنيفهم بناء على أعمارهم. هذه الجهود السريعة يمكن أن تتم عبر الإنترنت أو من خلال بحث منهجي للدراسات العليا أو حتى الجامعية.
وقد تحدثت الأدبيات كذلك عن العوامل التي يمكن أن تعزّز المحافظة على لغات المهاجرين (من المؤلم أن نحاول تطبيقها على الفصحى على اعتبار أننا مهاجرون بالنسبة لها!) مثل تأسيس الأندية والملتقيات والمنظمات والجمعيات الدينية والثقافية والاجتماعية المرتبطة بذلك المستوى المرغوب من اللغة، وكذلك تشجيع الالتحاق بها وعضويتها. فهل هناك أندية ولو شخصية عبر الإنترنت لمحاكاة نموذج الفصحى بمهاراتها الأربع؟
كما تذكر الأدبيات أيضاً جهوداً ومبادرات فردية ومجتمعية للإبقاء اللغوي مثل التواصل التراثي والأدبي مع اللغة أو مع المستوى المرغوب، وكذلك عمليات المساندة والتسامح وتقبل الأخطاء لا القمع في السياق الاجتماعي، كما يُشار دائماً إلى جهود التعليم ووسائل الإعلام لكني لا أحبذ التعويل عليهما دائما خاصة في ظل استخدامهما شماعة للكسل وعدم المبادرة. ألا يوجد لدينا دروس علمية لكتب اللغة والأدب كما هو الحال في الدروس العلمية في المساجد؟
كما يمكن في مجال الخدمات الإعلامية (وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية) القيام بعملية إحياء استعمال لغوي عن طريق توفير مصادر وموارد متخصصة (متكلمين ومواد).
إضافة إلى جهود الإبقاء اللغوي في مجالات الأسرة والمنزل والجوار، فيمكن تقوية الإبقاء والإنعاش عن طريق الممارسة اللغوية للفصحى مع الجيران وكذلك استعمال اللغة خارج المنزل والتدرب على ذلك مع العمالة وغيرهم في الأسواق وغيرها...
فتذكر الأدبيات أنه (في أستراليا دخل اللسانيون التطبيقيون بنشاط في تعزيز الإبقاء اللغوي في الأسرة، ليس بتقديم ورش عمل للأسر والمجتمعات حول تنشئة الأطفال فحسب، لكن أيضاً بالتحدث مع جماعات مختصة، مثل مربيات الأطفال، والعاملين في العناية الصحية والطب، والمدرسين ومديري المدارس، وذلك لإخبارهم عن طبيعة الثنائية اللغوية في مرحلة الطفولة ولمحاولة تجنب طيف من الخرافات السلبية عن الثنائية اللغوية المبكرة) فهل نحن بحاجة إلى تبرع محسنين بإدخال المربيات أو العاملات المنزلية في معاهد تعليم اللغة العربية المنتشرة في جامعاتنا السعودية حتى يتعاملن معنا ومع أطفالنا بالفصحى الجميلة التي يستخدمها طلابنا في تلك المعاهد؟ فالصغار هم الذين سيتولون عملية نقل الفصحى مستقبلاً إلى الأجيال السابقة وليس نحن، وهم في حاجة إلى نقلها موثَّقة عن طريق المكتوب والمنطوق، والمقصود بالمكتوب والمنطوق هو الطبيعي لا المتكلف الذي يقمع الاستخدامات الأخرى!
بطبيعة الحال لا بد من الاعتراف بأن امتداد اللغة العربية عبر مساحة جغرافية تنتمي سياسياً إلى أكثر من 22 دولة وتاريخياً إلى أطول من 14 قرناً ودينياً بهوية الإسلام بقدر ما هو عامل إيجابي في انتشار العربية وبقائها فهو في الوقت نفسه عامل سلبي طبيعي من الناحية اللسانية التطبيقية؛ إذ يساعد ذلك على انقسامها إلى دارجات وعربيات على غرار انقسام الإنجليزية إلى إنجليزيات. كما أن الأدبيات تشير إلى أن العالم يتحول نحو العولمة في مناحي الحياة؛ ولذلك فهناك ضغوط وتحديات على الأقليات واللغات والثقافات وليس فقط على اللغة العربية وثقافتها.
إن مما يدعو إلى الغرابة أن قمع الدارجات ومحاولة تجاهلها بحثياً وتعليمياً لم ينتج عنه إلا زيادة انتشار و(ازدهار)! فهل هذا القمع كان عاملاً من عوامل الدفاع النفسي التي تحدثت عنها اللسانيات التطبيقية حول بعض الجماعات اللغوية التي حافظت على لغاتها وتراثها حين تعرضت لاضطهاد وقمع؟! أي كان الأثر عكسياً! كما هو الحال في بعض الدول التي كانت تحت حكم الاتحاد السوفييتي وحافظت على أديانها وتراثها ولغاتها. فما سبب مقاومة الدارجات للتهميش والقمع والتجاهل في ظل وجود الفصحى التي تحظى -ولو نظرياً- بالدعم والمكانة والاتجاه الإيجابي المرتبط بالدين والتعليم والإنتاج الأدبي والعلمي؟! لماذا لا تعم الفصحى في ظل هذا الدعم وهذه المكانة؟ هل هناك إجابة!
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.