مات الكثيرون ممن أعرفهم، ولكن هم قلة من أولئك الموتى التصق بذاكرتي كبيت شعر من المعلقات، أحدهم هو الشاعر الأديب/حسن السبع - رحمه الله، فارع الطول، نحيل البنية، طفولي الملامح، لا تغادر الابتسامة قسمات وجهه، والنكتة قابعة دائمًا على شفتيه.. فهو جليس لا يمل، ورفيق لا يغادر المكان.. كتب المقال بحسه الأدبي المتميز، متمكنًا من لغته، قرأ تجارب الآخرين وتقمص بعضها، حيث كان يصب مقالاته في قالب فلسفي ظاهر، وهذا ما كان يكتبه في الصحيفة المحلية (جريدة اليوم) يوم الأربعاء..كحديث الأربعاء.. كان مصقولاً بثقافة واسعة ولا سيما كان بجيد (اللغة الفرنسية) مما دعمه على القراءات الأخرى. في الشعر له مسلك مختلف فهو ساخر أحيانًا وجادًا أحايين.. فهو الشاعر الفكاهي الساخر في ديوانه (ركلات الترجيح)، ومن ديوانه (بوصله للحب والدهشة) فهو العاشق الرومانسية والعابث في شعور لا اتجاه له. وكأنه حدد لك الطريق عبر بوصلته والوجهة التي سوف تسلكها نحو الحب والدهشة ..بيد أن ليس للحب جهة ولا للدهشة مسلك، كلاهما يأتيان على حين غرة دون أي نذير أو خطير.. فالشاعر هنا ليس يتلمس حبك أو يصغي لدهشتك.. إنما يبعثر ما فيك من شاعرية ويخوض في مياه قلبك لعله يصطاد فيك ما يوحي للحب والدهشة. وتتقاذفك أمواج الحب ويكاد يلامس الوجدان كما يرتع القارئ في واحة من استبرق لشاعرية الشاعر التي تنفث من جيوبها رقة الكلمة وعذوبة المعنى.. يقول: ((أطل الصبح من شباكها الوردي حقلا من تثني الكرم من إيماءة الأعناب والسكر أطل الصبح شلالا من السندس والإستبرق المسكون بالياقوت والمرمر... فمن أيقظ ذاك الصبح نورا.. وموسيقى... وأسرارا وفنجانا من القهوة من أيقظ تلك الفتنة الحسناء من شكل ذاك الموعد الماطر نهرا فوق أوراقي)). ولا يترك فيك مسامًا إلا ملأه من دهشة وارتعاش.. ثم يأخذ بالعتاب المؤنق والشكوى صبابة: ((لا تؤذيني فالشرق إيذاء ليل وحراس وبيداء تذوي السنابل في مفازته وتضيع في منفاه حواء وإذا حراب القوم قد شرعت فبراعم الأزهار أشلاء)). كما تميز بتحرير الكلمة من قالبها الصخري حتى أصبحت حرة مكشوفة، وهذه هي العلاقة التي يكتشفها الشاعر والكاتب مع أنه يكتب بلغة حديثة ولم ينقطع عن لغة التراث، كما نرى إبداعه في روايته الوحيدة ((ليالي عنان)).. سكب عليها لغة تراثية بحتة كمن عاش زمن الرواية وحل عليهم ضيفًا مع الصبية (عنان) وسيدها (الناطفي) مع المرشد السياحي أبو فرج الأصفهاني في القرن الرايع الهجري.. إن هذه اللغة السردية التي اجتاح بها (السبع) فصول الرواية لدليل على عمق مخزونه الثقافي وسعة اطلاعه بالأدب قديمه وحديثه. ** **