الحمد لله؛ ها نحن نلتقي مجددًا؛ ما زلنا بخير، وسنكون بخير، ومعي حصاد أسبوع. ليس غريبًا عليّ الجلوس في البيت؛ وقد تعودت عليه منذ تركت عملي في حقوق الإنسان. حقًّا، كنتُ أتمتع بوجودي في البيت، قراءة في كتاب، وما أُنتج من مقالات أو قصص قصيرة.. وأحب الأعمال اليدوية، وأفكر باختراع طبق جديد. عمومًا، نحن النساء البيت بالنسبة لنا بهجة وراحة. نعم، نشتهي الخروج بين الفينة والأخرى، لكن ليس همنا عمومًا، وكلما كبرنا وجدنا الراحة في المنزل. وحتى الأنشطة الاجتماعية العامة نختصرها. بإيجاز، البيت راحة وسلام؛ لذا التزامنا بالبقاء التزام حب وراحة. الجميل أن أفراد الأسرة الذين لم يغادروا البيت بعد صرنا وإياهم أقرب، ونتمتع بوجودهم حولنا. عندما فُرض البقاء في البيت لم يتغير شيء، لكن تغيرت نظرتنا. قررت أغلب النساء أن تكون مدة البقاء أسبوعَين مختلفَين. أغلب ربات البيوت ممن لي علاقة مباشرة بهن كل يوم كان لهن فيه جدول محدد لإحدى غرف البيت، تعزيلاً ونظافة، وتجريدًا للشبابيك من ستائرها، وتنظيفها تنظيفًا تامًّا. وهكذا حتى اليوم تخلصن من الكثير الذي لا يحتجن إليه، وهناك مَن يحتاج إليه، خاصة المطابخ التي فقدت وخفت كثيرًا.. كم كان جميلاً وهن يرين بعض الورقيات الخضراء وقد أخذتها نغمة الحياة والربيع؛ فتكاثرت في الأركان التي زرعنها، خاصة عندما يكتشفن أن هناك من يشاطرهن حبًّا في ذلك. الحشائش الطفيلية غادرت؛ فأشرقت الزهور التي رأت نفسها بلا منافس على التربة. ولعلهن تذكرن - كما تذكرتُ - الشاعر البحتري بأجمل قصيدة قيلت في الربيع: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا قصيدة في منتهى الجمال، ما زلنا نتداولها، بل وجدنا أبياتًا منها في دروس الإعراب. بعض صديقاتي المهتمات مثلي بالقراءة كانت لهن فرصة للبحث عن كتب نسينها في المكتبة، وكنا قد أجَّلنا قراءتها، ثم نسيناها. يومياتنا وأسرنا جميلة، وستكون أجمل بعد انتهاء الأزمة.. نجتمع مع بعضنا كل مغربية على فنجان قهوة وكيكة، كلٌّ في بيته، ونحن عبر السناب شات نُطمئن بعضنا بعضًا، ونجدِّد المزاج. نحن متفائلات جدًّا، نعد العدة لرمضان، وسنبلغه -بفضل الله-؛ ونقرر التجهيز.. نعرف أننا كالعادة نجهز الكثير، ومن ثم نستهلك القليل. وعن ماذا سأحدثكم؟ عن فتح كل الشبابيك والأبواب؛ ليتجدد الهواء، وتتجدد حياتنا معه عندما تُغلق علينا أبواب الشارع.. فهناك أبواب كثيرة يمكن فتحها، ليس العمل والإنتاج الملحوظ فقط، وإنما العمل الفكري أيضًا. أعاننا الله بوجود مساحات كبيرة حول العالم؛ لنجد كتبًا لم نسمع عنها، وروايات جميلة لم نقرأها، ونافذة جميلة قد نسينا فتحها من قبل. لعل كل فرد منا مارس هوايات لم يجد لها وقتًا. لقد استمتع أغلبنا بلعب الكيرم، والشطرنج، والورق. قد يقال سيطول الوقت، ونملها.. لن يتأخر فرج الله علينا؛ وسنعود للنشاط اليومي أكثر. والذي أظنه الآن أجمل.. لعبت بعض شاباتنا الكرة الطائرة التي لا تحتاج إلا إلى لاعبتين فقط، وحتى الواحدة يمكن أن تلعبها على الجدار، كأنها كرة سلة. هو نشاط ورياضة وتسلية. يقرب المقال من النهاية، وبقي شيء واحد كرهته كثيرًا، هم أولئك الذين ليس لهم في موضوع الوباء دراية، يضعون أنفسهم أمام الكاميرات كمرشدين.. فضلاً القوس أفضل بيد باريها.. اصمتوا. الوباء ليس هينًا، ولكن في الوقت ذاته علينا الالتزام بالهدوء، وتنفيذ التعليمات. النظافة ليست جديدة علينا، ونحن نغتسل خمس مرات في اليوم، ولكن هناك تأكيد أكثر، وتقييم أكثر، وحرص، خاصة التعقيم. سنخرج -بإذن الله- سالمين، نلتقي على خير. وطبعًا لا نحن ولا العالم ولا العلم سيكون مثلما كان قبل الوباء. وسلام قولاً من رب رحيم.