في شهر مارس يعود الدفء إلى أفياء الأرض شمال خط الاستواء فتخضر وتخصب ويعود نداء الحياة يتدفق في نبض الجذور والعروق وتتنادى الكائنات لتتوالد وتتكاثر مكررة دورات الطبيعة في كل المخلوقات. قدّست الحضارات القديمة استدامة البقاء، وبجّلت قدرة الولادة والتوالد وأسبغت عليها أهمية وجودية مفهومة فكان «مارس» إله الحرب والهجوم والدفاع و«فينوس» أو «عشتار» آلهة الخصب والحب. واحتفت الثقافات البدائية بموسم الربيع العائد مبشراً وواعداً باستمرارية الحياة في إطار الطبيعة، فجعلوا يوم 21 مارس بداية العام الجديد واخترعوا له طقوساً احتفالية. ويوم 21 مارس هو أيضاً في المنطقة العربية التاريخ المخصَّص لعيد الأم، وتذكّر وشكر الأمهات على تدفقهن مدى العمر بالحب والحنان بعد تحمّل معاناة الحمل والولادة، ثم العناية بمواليدهن حتى يكبروا ويستطيعوا مواجهة الحياة ككيانات قادرة على الاستجابة لتحدياتها بأنفسهم. وفي ذات الوقت الذي تغيِّب فيه الأعرافُ أسماءهن لا ينسين تزيين أكفّهن بالحناء إعلاناً عن احتفائهن بدورهن الأنثوي. كذلك اختير يوم 8 مارس يوماً للشعر عالمياً ربما لأن الشعر يرتبط بتيقظ وعنفوان الأحاسيس والمشاعر بعد بيات الشتاء وصقيعه. وهو أيضاً اليوم الذي اختير عالمياً للاحتفاء بالمرأة وإنجازاتها وأهمية وجودها لاكتمال جدوى الحياة. ربما للتذكير بأن المرأة ليست محصورة في كيانها الجسدي؛ «الأنثى» التي تلهم الفنانين والشعراء وتلد البشر، بل هي أيضاً «الإنسانة» المكتملة القدرات والمواهب التي تفكر وتخترع وتصمم وتثري ميراث الحضارة والعلوم بزخم ما تنجبه من إضافات؛ حيث نتذكر المرأة المميزة مثل العالمة ماري كوري والباحثة مارجريت ميد والمصممة زها حديد والكاتبة فيرجينيا وولف والشاعرة مايا آنجلو ونازك الملائكة والرسامة فريدا كاهلو والمغنية إديث بياف. والقائمة تطول بأسماء مبدعات عالمياً تميزن في كل مجال علمي أو فني أو أدبي، بالإضافة إلى السيدات اللاتي حكمن دولاً وأدرن قرارات السياسة الداخلية والخارجية مثل أنديرا غاندي ومارجريت ثاتشر وقمن بمسؤولياتهن خير قيام. ولا ننسى تميز مبدعات مثل أم كلثوم وفيروز أصبحن رموزاً ثقافية قومية في كل مواسم الأمة العربية ابتهاجاً بموسم انتصار أو مواساة وتأكيد انتماء في مواسم النكسات والانكفاء. الحمد لله أننا في وطننا نعيش ربيعاً ثقافياً غيَّر النظرة النخبوية التي حصرت دور المرأة في قلة محدودة، وأشرع شرفات الأفق لكل امرأة قادرة على التحليق، فرؤية التحول الشامل تضمنت تمكين المرأة كإحدى دعائم نمو الاقتصاد المتوازن لتصبح النساء المؤهلات والموهوبات رافداً أساسياً في استدامة النمو الشامل. هذا الموقع الجديد للمرأة خرج بنا من موسم ربيع بدائي محدود إلى عطاء مستمر طوال العام. وهو ما كنت أحلم به في قصيدتي «الحناء»: أمي دعي كفِّي بلا نقشٍ وخلّيني حلمي أنا الإبحار لا نقشاً على كفِّي ولا اسماً بمولده يُدان