وقفتُ أتأمل صوتها حاولتُ أن أعيد تركيزي نحو مكان وقوفها.. أرى الكُل يمشي على خطى لحنها، ينجذبُ الماشي نحو صوتها.. ترجلتُ من مشوار لي وأنزلتُ عدستي وجندتُ ذهني نحوها.. وجدتُ طريقاً قد ازدحمَ وتلاحم اللحن ُ بصوتِ خطواتِ متجهيها.. وصلتُ وقد أحاط بها الملاء تجمهراً وجمعتُ ما معي من الأدبِ قولاً أزاحمُ كل من كان أمامي مستأذناً، دعوني أرى المغردَ لعلي أكتبُ شعراً على لحنها أو أرسمُ معالم ثغرها.. رأيتُ الشعرَ قد تطاير تغنجاً راقصاً وهي تتمايلُ لمن حضر مراسيم عزفها.. وفستانها قد جمع ألواناً وفي طرفهِ قد زُرع شكلاً جذب عيناي تمرداً.. أخيطَ بخيوطٍ أكثر غلظةً لتبقي ما تخفيهِ سراً.. أرى عيناها وقد أغمضتها وفي قولي أنها انسجمت في علوي حضوري ملاءٍ استدار بحلقةٍ وتأملَ..! عجباً فقد أطالت لحنها وعيناها لم تبد لنا نظراً وحباً وقولاً ففي لغةِ العيوني أنا أدرّسُ ما تعلمتهُ من سارةٍ في عشرين عاماً ينقصها خمسٌ.. ولعل خمسٌ باقيةٌ تعلمني لغة عينٍ قد أغمضتْ..! قطعتُ فكري بعودٍ على لحنٍ أصاغتهُ به من ألمٍ يحكى ووجعٍ قد رسم معالمهُ فستانها الطويل، فقد استدارت تباري الهواء لتعاندهُ وقد انحنت تواجه نسائمهُ وهي تغردُ بعزفها لعل الهواء تخلل شعرها من جديدٍ فقد أذنت له أن يجول بين خصالهِ ولم تأذن له لفستانها.. تخافي سراً والكلُ لم يبدِ لغيرِ لحنها قولٌ فقد أذهلت الوقوفَ صمتاً وازداد جمال المكان من فوقها الطيرُ قد أخجلت صوته من صوتها الناي.. جمعت مالاً في وعاءٍ به من البؤسِ طعجاً وأوقفت عزفها تلملم شعرها المتناثر، وتغزُ الناي به طعناً.. استمالت وتمايلت وانحنت تتحسسُ لوعائها لامست أرضها ودفعت بما جمعت لتنثر المال منتشراً أهو كبرٌ أم أنه لا يرضي غرورها.. صمدت قليلاً ثم تحسست بيديها والكلُ وقفاً لم يتجرأ على جمعِ مالها.. استدارت ورأسها مرفوعٌ لنا ويديها تخوضُ في جمعٍ وبعثرة، هم الجميعُ بعد أن عُلم السرّ وما أخفتهُ في عيناها لحنٌ من الحزني وعيناني لا ترى إعجاب من حضر وصفق وانبهر.. أخذت الوعاء بعد أن جُمع لها، وجاء شيخٌ مسنٌ يباري مشيتها أسند لها عصاهُ وهمس في موضعِ أذنها ابتسمت وتناولت العصا على مهلٍ والمسنُ واقفٌ متأملٌ ضاحكٌ لا يسندُ على غيرِ ذاك اللحنِ وقد ارتحلَ.. هي الحياةُ تجمعُ لنا جمالاً ومن يجمعنا قد أوجعتهُ حياته.. نايٌ تغني بهِ ووعاءٌ يجمعُ المالَ وعصا أهديت لها تزيلُ عنها عثرةٌ وترشدُ الناس ضريرةٌ أنا وعزفي الناي.. ** **