((إنما الأمر يتعلق بالوصول إلى المجهول، إنه لعذاب هائل)). ثمة إشادة وإشارة دائمة من قبل النقاد والقراء الذين كتبوا واستكتبوا عن الأديب الكبير والشاعر الأستاذ/محمد العلي.. للوصول إلى مجهولاته في شعره ونثره. إنها (كلمات مائية) لا تخضع لمفهوم واحد ولا تأويل محدد. في الشعر كان من طلائع المرحلة الشعرية الجديدة في الشعر السعودي، جاء بتحديث النمط المألوف وقت ذاك على قلة ماكتب من الشعر، حيث أخرج الشعر من ثوبه العتيق إلى رداء زينته المعاني في زهو ورمزية، وترك السؤال مفتوحا ترسيخا للوعي النقدي.. أسس ((العلي)) منهجية حديثة في الثقافة الأدبية والفكرية، ماذا يجب أن نكتبه عن (العلي)..؟؟ النظر إلى صورة ذي ثلاثة أبعاد يحتاج إلى بصر من حديد، فكيف إذا كانت الصورة ذات أربعة أبعاد أو أكثر.. الشاعر والأديب الكبير الأستاذ/محمدالعلي فالصورة المتشكلة ل(العلي) في برواز المعرفة والثقافة صورة متعددة الأبعاد شعرا وفكرا وأفقا ..ناهيك عن البعد الإنساني.. فالصيرورة المعرفية خلال نصف قرن ل(العلي) الجلية في زواياه الصحفية المتعددة العناوين وفي المحافل الأدبية والثقافية المختلفة، ذاك التمظهر المعرفي خلق منه الأديب الأكثر وعيا بفوضى الأشياء والتي تصنع من خرابنا الجميل شرفة أدبية كونية.. فتتبع خطى الفلاسفة الأقدمين والحديثين فنفوره عن تدوين كتاب أو مؤلف يحمل قناديل تلك المعرفة والثراء الثقافي لم يكن سوى زهد تارة وتكاسل أنيق تارة أخرى.. فتنادى بعض المقربين للكتابة فيه وعنه كالصديق اللصيق له الشاعر الأستاذ علي الدميني والشاعر أحمد العلي وغيرهم ..كما سعى كاتب هذه السطور في محاولة خجولة أن يلم ما أمكن وجمع ماتبعثر من شتاته في دفتي كتاب وديوان.. فالكتابة عنه كتابة شائكة الطريق ولا سيما في الحداثة المنقوع فيها والتي ترسمت بقلمه الأزرق. فحيرة المعنى التي ينشدها من اللغة وهي الهاجس الذي يقضه بكله وكليله نحو استفهامه الوجودي (السارتري) جعله حثيث البحث والتقصي في مفاهيم الفلسفة (الهايدجرية) والجدلية (الهيغيلية) فركب صهوة الريح متجاوزا الصخور التقليدية ومدلهمات الرجعية العرجاء في نمو المعرفة والتنوير فهما سيفاه في غمد الحياة وإلا لا يجب أن يعيش. كذلك تخطى بفرس العقلانية المعتزلية جادا حواجز مايعيق نمو المفاهيم عنده وكما قال أفلاطون (كي تكون عظيما لا بد أن يساء فهمك).. شيء من المنفى.....!!!! (لا يترك مقعدا لغيابه) كما يقول محمود درويش. إن الشاعر والأديب الكبير الأستاذ محمد العلي...إنه يدرك أن المنفى يأخذنا إلى منفى آخر. لماذا الغموض..؟؟ لأنه عدو الغرف المفتوحة، إنه يجنح إلى الانفراد بذاته الشاعرية، وينفر من المكاشفة الشعرية الداخلية لذا يتلبس بالرمزية فارا من ضجيجه الداخلي. كي يتسنى للغياب الشعري حضور آخر كصوت النشيد في رنة الجسد. في ذات قصيدة ترتسم ملامحه كقارع الناقوس في قداس الأحد، أو كحامل المشكاة في ليل الذئاب. يبذل على وجه القصيدة بوشاح الصلاة في معبده. فهو أخرس في وحدانيته تشح منه الكلمات كشحيح العشب في الخريف. في شعره يخاطب الريح بحرقة الأسئلة، ويدنو من الإجابة قليلا ثم يفر منها مرة أخرى. فيطل عليك من ثقب قصيدة منقبة بسواد اللغة وعصي المفردات إنها الذات الخفية في طامورة المعاني. فلا ينشد التجلي في المعنى.. وكما قال: ماذا أصنع بالمعنى ولا أحد بالبيت..؟؟ ** ** - د. محمد الشقاق