تمثِّل المدرجات الزراعية في جنوب المملكة شاهداً على قصة كفاح إنسان المنطقة منذ عقود مضت، حيث نجح في التكيّف مع طبيعتها البيئية وتوظيفها في خدمة متطلباته المعيشية، وجعل من انحداراتها الجبلية سلة غذاء آمنة، يتناول منها قوت يومه ويدخر ما يفيض تحسباً لسنوات عجاف تفرضها قلة الأمطار وشح المياه في بعض المواسم. وتعود صناعة المدرجات الزراعية جراء التضاريس الجبلية والانحدارات والمرتفعات التي تتشكّل منها أجزاء كبيرة بالمنطقة، حيث تقوم بالاحتفاظ بالتربة الزراعية، إضافة إلى احتجاز مياه الأمطار التي تشكّل المصدر الأساسي لمياه الري في الزراعة قديماً. وكانت وسائل الزراعة كانت بسيطة جداً، وأن الغرب وحباله، هو الذي ينقل الماء من البئر بواسطة الثور إلى الزرع، والمحراث والسحب والمحش، وللبعير أهمية لنقل الأثقال من الزروع أو من قرية لقرية، وكذلك الحمير والبقر للحرث، ولتموين البيت باللبن والزبد والسمن. ويؤكد الأديب علي مغاوي أن المدرجات الزراعية انفردت بتخطيط هندسي رسمه إنسان المنطقة منذ عقود كثيرة قد لا يستطيع أحد تحديد تاريخها الحقيقي ولكنها تزيد عن أربعة قرون، وهذا ما فرضته جغرافية المكان المعروفة بالطبيعة الجبلية. وأضاف مغاوي أنه عادة ما تكون تلك المدرجات متوسطة الارتفاع، وتتفاوت أعداد أراضيها أو ما يعرف بالركيب من خمس إلى عشر أراض تكون فوق بعضها البعض، ويصل ارتفاع الواحدة عن الأخرى من النصف متر إلى المترين ونصف المتر، يكون أسفلها ما يُسمى الجلة التي تستقبل المياه الهابطة من المدرجات الزائدة عن حاجتها لتقوم بتصريفها، ويتحكم شكل الهلال في بناء المدرجات على السفوح، فيما تزداد توسعاً وانبساطاً في الأودية وجميعها تتميز بتجدد تربتها سنوياً، في حين تنقسم أراضيها إلى قسمين الأولى تُسمى العثري، ويقصد بها المواقع التي تعتمد على سقوط الأمطار وإنتاج محاصيلها بدون ري، بينما يطلق على القسم الثاني المسقوي أو «السقا» وهي التي تسهم الآبار في ريها.