حذر صندوق النقد الدولي دول الخليج، من احتمالات تعرضها لخطر تبديد ثرواتها المالية في غضون 15 عاماً، ورجح أن يصل الطلب العالمي على النفط ذروته في حدود عام 2040 قبل أن يتراجع تدريجياً، ما سيتسبب في الضغط على ماليات دول مجلس التعاون الخليجي. برغم منهجية تقارير صندوق النقد إلا أنها لا تخلو من الأخطاء، والتوجيه المتعمد، واستنساخ التوصيات التي تركز في الغالب على تنمية الإيرادات الحكومية من خلال إلغاء الدعم وفرض الضرائب وخفض الأجور وتقليص الوظائف الحكومية، دون النظر لانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الكلي، والمجتمع. كما أن بعض توصيات الصندوق لا تخلو من التضاد، ومنها التوصية بتسريع الإصلاحات الاقتصادية في المملكة، وهذا بخلاف توصية سابقة بضرورة التدرج في تنفيذ الإصلاحات. وبالرغم مما يثار حول توصيات الصندوق ذات العلاقة بالدول النامية، وقوالبها الثابتة، وانعكاساتها على المجتمع، وتجاهلها الظروف الاقتصادية والمجتمعية لكل دولة، إلا أن بعضها تستحق الأخذ بها لواقعيتها، كتوصية خفض حجم الديون، وتحقيق التوازن الأمثل في الميزانية العامة وغيرها من التوصيات، شريطة الأخذ بها والتعامل معها وفق فلسفة انتقائية محاطة بالحذر. أجزم أن ما تضمنه تقرير صندوق النقد من تحذير، وتشديد على تبني دول الخليج إصلاحات اقتصادية شاملة لم يكن يوما غائبا عن قيادة المملكة التي أدركت مبكرا أهمية الإصلاحات الاقتصادية، وانتهاج سياسة منضبطة للمالية العامة، وإستراتيجة لتنويع مصادر الاقتصاد والدخل. أكد التقرير رؤية المملكة الاستباقية للإصلاحات الاقتصادية المؤطرة برؤية 2030 والتي ركزت على خفض الاعتماد على إيرادات النفط، وضرورة تنويع مصادر الاقتصاد والدخل وتحفيز الاستثمارات لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. نجحت المملكة خلال سنوات قليلة من تنفيذ إصلاحاتها الاقتصادية في رفع إيراداتها غير النفطية لتصل إلى 313 مليار ريال، وإطلاق برنامج طموح لتعزيز المحتوى المحلي وخفض الواردات وتعزيز الصادرات، وتحقيق الأمن الإستراتيجي وتنفيذ مشروعات كبرى كمشروع نيوم، البحر الأحمر، أمالا، والقدية وفق شراكات استثمارية عالمية تدعم القطاعات الاقتصادية المستهدفة بالتحفيز. كما اهتمت بتنمية القطاع الخاص، وتفعيل دوره في الاقتصاد، والمضي قدما في خصخصة بعض القطاعات الحكومية لتحقيق كفاءتها التشغيلية والخدمية، وخفض التزاماتها المالية، وتعظيم ربحيتها وبالتالي خلق إيرادات مستدامة للمالية العامة. قطاع التعدين، الخدمات اللوجستية، السياحة، والصناعات العسكرية من بين القطاعات التي بنت الحكومة خططها الإصلاحية عليها، لتنويع مصادر الاقتصاد، إضافة إلى ما تحققه من تنمية شاملة للمناطق. يمكن وصف الإصلاحات الاقتصادية التي يقوم عليها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بخطط التحوط لما بعد النفط، وهو محور تقرير صندوق النقد. أجزم أن ما يهدد اقتصادات دول الخليج، والاقتصاد العالمي، ليس ذروة النفط، بل خطر الديون السيادية العالمية المتوقع انفجار فقاعتها والتسبب في أزمة مالية عالمية، ما يفرض على دول الخليج الاستعداد والتحوط وحماية استثماراتها الخارجية من الضياع.